• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

تربية الأطفال في عصر التكنلوجيا على ضوء نهج البلاغة

فاطمة مرتضى معاش / الثلاثاء 25 حزيران 2024 / تربية / 1092
شارك الموضوع :

إنّها حقيقة مُرة أصبحت تحدث يومياً في عالم التربية، فكثير من الوالدين يفتحون أبواب التكنولوجيا على أولادهم

نظر إلى عينيها التي ملؤها الفرح، تذكر تلك اللحظة التي قدمت إلى الدنيا وأخذها من الممرضة، تغير شعوره في تلك اللحظة وشعر أنّ رسالته في الدنيا قد تغيرت بقدومها، أما اليوم فكان جاهزاً بأن يفعل كل شيء من أجل أن يرى الابتسامة على وجهها، واليوم كان عيد ميلادها ففكر أن يفاجئها بمفاجئة خاصة، أخ‍‍‍ذ‍ت البنت العلبة بغرور وفتحتها وأخذ عينيها بريق خاص أتبعها صيحة من الشوق برؤية الهاتف النقال.

قفزت في حضن أبيها وهي تشكره على الهدية. ولكن بعد أسبوع تغيرت البنت كثيراً، فأخذت بالابتعاد عن العائلة شيئاً فشيئاً لساعات عديدة، وبعد شهر ابتعدت تماماً فهي حتى وقت الأكل لا تحضر مع العائلة وعندما يسألونها عن السبب تقول إنّ لديها أمر هام لا تستطيع تركه. في منتصف أحد الليالي عندما نهض الأب من الفراش ليروي عطشه، سمع صوتاً من غرفة ابنته، تعجب من ذلك وذهب إلى غرفتها، ورآها تشاهد شيئاً ما بالهاتف، اصفرّ وجه البنت وأخذت سريعاً تحاول أن تخرج مما هي فيه، فشك الأب وأخذ الهاتف منها ورأى ما لم يحب أن يراه (الأفلام الإباحية) فصعق لذلك ورماها على السرير وهو يصرخ: "ألا تستحين من ذلك؟ّ"، شعر أنّ العالم اسودّ أمام عينيه، وأخذ يسأل نفسه لماذا فعلت بنته ذلك؟ لماذا أجابت حبه بهذا الشكل؟ إنه كان يريد لها الأفضل فلم حدث ذلك؟

إنّها حقيقة مُرة أصبحت تحدث يومياً في عالم التربية، فكثير من الوالدين يفتحون أبواب التكنولوجيا على أولادهم محبة منهم، ولكن الذي لم يعرفوه أن في كل مجال يدخله الطفل نحتاج تربية خاصة بذلك المجال، فليس فقط شراء الأشياء هو حب بل تعليم استخدامها بشكل صحيح يكون حباً أكبر، واليوم فأهمية التربية الإعلامية أصبح أكثر من ذي قبل لأننا اليوم أصبحنا في عولمة وانفتاح كبير وصارت التكنولوجيا عضوا ثابتا في عوائلنا.

يمكننا تعريف التربية الاعلامية بأنّها: عمليّة تربويّة تهدف إلى تمكين الإنسان من التواصل العقلانيّ والمعرفي مع مختلف وسائل الإعلام، وتعزّز قدرتهم على فهم الرسالة الإعلاميّة ووعي أبعادها، وتمكينهم من القدرة على تحليل مضامينها واستكشاف خفاياها على نحو نقديّ استبصاري بروح نقديّة.

وكانت منظمة اليونسكو قد دعت منذ عام 1982 إلى تدريس منهج التربية الإعلامية في المدارس، وتعد منظمة اليونسكو التربية الإعلامية جزءاً من الحقوق الأساسية لكل مواطن في كل البلدان، وتوصي بضرورة إدخال التربية الإعلامية حيثما أمكن، ضمن المناهج التربوية والوطنية، وكذلك إدخالها ضمن أنظمة التعليم غير الرسمية.

اليوم نريد أن نضع التربية في عصر التكنلوجيا لأطفالنا تحت المجهر، ولكن هذه المرة نريد أن نأخذ التحليل والأسباب والحلول من علمٍ متصل بالوحي الإلهي وهو كتاب نهج البلاغة لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما وصفه الشاعر:

نـهـج الـبـلاغـة نـهج مهيع جدد     لــمـن يـريـد عـلـواً مـالـه أمـد

يا عادلاً عنه يبغي بالهوى رشداً    إعدل إليه ففيه الخير والرشد[1]

إنه كما قال عنه أحد الأدباء والمفكرين: «فتلقى له في كل عبارة من ( نهج البلاغة) عملاً عظيماً،.. إذا عمل في موضوع أحاط به بُعداً فما يفلت منه جانب ولا يظلم منه كثير أو قليل، وغاص عليه عمقاً، وقلبه تقليباً وعركه عركاً، وأدرك منه أخفى الأسباب وأمعنها في الاختفاء كما أدرك أصدق النتائج المترتبة على تلك الأسباب، ومن شروط الذكاء العلوي النادر هذا التسلسل المنطقي الذي تراه في النهج أنى اتجهت. وهذا التماسك بين الفكرة والفكرة حتى تكون كل منها نتيجة طبيعية لما قبلها وعلة لما بعدها، ثم إنّ هذه الأفكار لا تجد فيها ما يستغنى عنه في الموضوع الذي يبحث فيه، بل إنّك لا تجد فيها ما يستقيم البحث بدونه، وهو لاتساع مداه، لا يستخدم لفظاً إلا وفي هذا اللفظ ما يدعوك لأن تتأمل، ولا عبارة إلا وتفتح أمام النظر آفاقاً وراءها آفاق.»[2]

إذا أردنا حقاً أن نعيش سعداء في الدنيا والآخرة وأن نُنتسب إلى فكر أهل البيت وإلى فكر أمير المؤمنين (عليهم السلام) فيجب أن نغور في كلامهم وأن نستخرج الأفكار التي اخفيت في طياته في أي بُعد من أبواب الحياة لاسيما الإعلام والتربية والعولمة وتأكيداً على ذلك ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل: «يَا كُمَيْلُ لَا تَأْخُذْ إِلَّا عَنَّا تَكُنْ مِنَّا»[3]، وفي هذا المقال سنبحث عن التربية الإعلامية في طياتِ البعض من الحكمة الشريفة رقم 147[4] من نهج البلاغة ونتدبرها ونبحث عن حلول تأخذ بأيدي أولادنا وتعلّم الوالدين والأولاد كيف لا يغرقوا اليوم في مستنقع التكنولوجيا.

في هذه الحكمة المباركة لنا وقفة مع (كميل بن زياد) الذي کان من حواري وخواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي استشهد على ولائه ومحبته له، يقول كميل: أخذ بيدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرج بي إلى الصحراء[5]، فعندما وصلنا تنفّس أمير المؤمنين (عليه السلام) تنفساً طويلاً ممدوداً. خروجه (عليه السلام) من المدينة واختيار مكانا خاليا من الناس واختيار شخص خاص من المقربين كلّه دلالة على أنّ ما يريد أن يبوح به (عليه السلام) هو علم خاص ويجب أن يدون في التاريخ بشكل خاص.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يَا كُمَيْلُ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيق‏.»

فقسم (عليه السلام) الناس على ثلاث أصناف:

1) عالم رباني: وهو المنسوب إلى الرب، المتأله العارف باللّه وهم الأنبياء والأوصياء الذين يأخذون علومهم بواسطة الوحي، ومن ثم بعدهم الذين لديهم العلم والتقوى والمعرفة الإلهية وما يقولونه إنما هو كلام الله وكلام اوليائه، إنهم قلّة وأخلصوا لله، فاصطفاهم الله ونسبهم إليه.

2) متعلّم على سبيل نجاة: أي أنه لم يصل إلى مرتبة العالم ولكنه يتعلّم العلم، وتعلّم لنجاة نفسه لا للرياء والمال وما أشبه، تعلّم ليعرف طريقة الحياة وأنه كيف يجب أن يعيش حتى يصبح سعيداً وكيف يعيش حتى يرضي الله عزوجل عنه.

3) وذكر الامام (عليه السلام) للفئة الثالثة ست خصائص:

أ-«هَمَجٌ»: جمع‏ (هَمْجَةٍ)، وهو ذباب صغير كالبعوضة يسقط على وجه الغنم والحمير وأعينها، ويُستعار للأسقاط من الناس والجهلة[6]، وهذا اشارة إلى حقارة وعدم قيمة هذا الصنف اجتماعياً.

ب-«رَعَاعٌ»: جمع (رَعاعة) أي العوام الذين لا منزلة لهم بين الناس ولا دراية لهم[7]، ولا يرتبطون بعهود ومواثيق، لا يفكرون ولا ينطلقون مع الفكر.

ج- «أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ»: ناعق هو بمعنى صوت الراعي الذي صاح بالغنم وزجرها، وإنّما مثلهم كمثل الذي‏ يَنْعِقُ‏ بالغنم فلا تدري ما يقول، إلا أنها تنزجر بالصوت عما هي فيه. إنهم لعدم ثباتهم على عقيدة من العقائد وتزلزلهم في أمر الدين يتبعون كل داع، ويعتقدون بكل مدع، ويخبطون خبط عشواء من غير تمييز بين محق ومبطل‏[8]، فمن دعاهم أسرعوا وراءه دون دراسة لدعوته ولماذا يدعو؟! إنهم يسيرون بسرعة وراء دعوته الباطلة دون دراسة لخلفيات الداعي وما وراءها وما يريد.

أما اليوم في عالم التكنولوجيا لبس النعق لباساً لامعاً آخر يطلق عليه الترند (trend)، يبدأ الأمر بمقطع ما أو فكرة ما، سرعان ما تأخذ طريقها إلى الجميع تحت ضغط الأقران، وتصبح محور حديث كل فرد، لكن خطورتها لا تكمن في كونها رائجة لأنّ بعض الأفكار الرائجة جيدة في أصلها، بل في كونها قادرة على تحريك العالم دون تفكير، وأنها جعلت حتى أهم الأفكار الدينية أو غير دينية موضوعاً رائجاً يصل إلى قمة الشهرة في يوم، ثم يندثر في اليوم الذي يليه. اِتّباع كل نعق لترند يصنع جيلاً لا يعرف بوصلته، سيكون ليس لديه أي جذور ليقف عليها لأنه تعلم أن ينظر إلى أفواه مواقع التواصل والترند ليعّينوا ما يجب أن يفكر فيه وما يجب أن يعتقد به من القيم.

والمثير للانتباه إنّ بداية كل عام تطلق الصحف الاقتصادية العالمية المواضيع والتوجهات التي ستكون رائجة، وهي ليست توقعات محضة بل إنها تبرز قدرة المؤسسات العالمية الكبرى والحكومات في صياغة عالمنا وتوجيهنا باتجاه معين بقصد الإلهاء أو خدمةً لمصالح اقتصادية معينة، بتواطؤ من منصات التواصل الاجتماعي كيوتيوب، إنستغرام، تويتر، تيك توك، وغيرهم، إنّ الكم والكثرة ليس معياراً في الاختيار حيث قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ مَنْ يَسْلُكُه‏»[9].

د-« يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ»: وصفهم (علیه السلام) بكائنات خفيفة حيث لا جذور لها كأوراق الشجر اليابسة أو الأعشاب أو البعوض كلما هبت ريح مالوا معها، وهذا الصنف من الناس ليس لهم هدف في الحياة ولهذا ليس لهم استقامة وثبات في اتجاه، والميل مع كل ريح كناية عن تقلبهم وعدم ثباتهم.

أحد أهم الصفات في الريح هي السرعة في الهب وأخذ كل الأشياء المتزلزلة، في رواية "البطء" يبرز كاتبها[10] أن ثمّة رابطاً سرّياً بين البطء والذاكرة، كما بين السرعة والنسيان. فإذا تخيّلنا رجلاً يسير في الشارع، ثم فجأة تذكّر أمراً ما لكن الذاكرة لا تسعفه في تلك اللحظة، فإنه بطريقة آلية يتمهّل في الخطو، أما من يسعى إلى نسيان طارئ شاق وقع له توّاً، على العكس يسرع لا شعورياً في مشيته كما لو أنه يروم الابتعاد عن أمرٍ ما زال من حيث الزمن قريباً جداً منه.

بالانطلاق من هذه المعادلة، نلاحظ الترابط الوثيق بين الترند والسرعة، وبالتالي بينه وبين النسيان. يصعب أن تكتب عن حدث بعد أكثر من أسبوع على وقوعه. يبدو ذلك وكأنك تنبش التاريخ، مهما كان الحدث عظيماً، لو كان انفجاراً دمّر نصف مدينة أو رجلا ذبح امرأةً على مدخل الجامعة، كل ذلك سيذهب طيّ النسيان بعد أيامٍ قليلة من انتهاء الحدث.

على الرغم من شعورنا بسلبيات الهمجية وثقافة الترند وانتقادنا أحياناً للسيل الجارف والميل مع الريح الذي تمثله المشاركات المكثفة في موضوع أو قضية واحدة، إلا أننا في الكثير من الأحيان نجد صعوبةً في ثني أنفسنا عن التأثر بهذا التيار. فما هو السبب؟ في كثير من الأحيان يقوم الناس بشيءٍ ما في المقام الأول لأنّ الآخرين يفعلونه أيضاً، إذ تعزز المشاركة في الترند، أو في آخر صيحة، إحساس الانتماء إلى الجماعة، وكثيراً ما يغرق الانسان في هذا الشعور بالانتماء والامتثال الاجتماعي حتى يتصف ب «سلوك القطيع(herd behavior)» وهو مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة عندما يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمون لها دون كثير من التفكير أو التخطيط.

أجريت العديد من البحوث على الأشخاص لفهم تصرف البشر في الجماعة الواحدة عندما يقومون بالتصرف بسلوك متشابه في نفس الوقت أي «سلوك القطيع»، فوجدوا أنه في الجماعة الواحدة، يميل الأشخاص الأقل مركزاً أو الأقل تأثيراً في الجماعة إلى التصرف بسلوك من هم أعلى مركزاً أو أحسن حالة وظيفية أو اجتماعية. يقلق البعض من هذا الميل لأنه يهدد فردية الإنسان ويحقق أسوأ كوابيسها في جعل الفرد مجرد مرآة للحشد.

الأشخاص الذين استطاعوا إحداث التغييرات الجوهريّة عبر التاريخ الإنساني، هم أولئك الأشخاص الذين فكروا بعقولهم، واحتفظوا بهويتهم الفردية، وبقدرتهم على التفكير المنطقي والعقلاني، فصاروا بذلك قادرين على توجيه الجماهير وإدارتها، وقيادتها نحو تحقيق أهدافهم.

أن تفعل ما يفعله الآخرون لمجرد أنهم يفعلونه فهذا يعني أنك تحولت فعلاً إلى القطيع، تسير في مساره، وتؤدي أدواره التي رُسمت لك منذ أن انضممت إليه ودون أن تفكر بالتمرد عليه. لقد وهب الله لكل انسان عقلاً ليفكر به ويميّز بين الأشياء ويختار ما هو مقتنع به. ومن الأمور الملحة في استخدام العقل هو اتخاذ القرارات، واتخاذ القرار هي عملية تحتاج إلى وعي وادراك، وهذا الوعي والادراك يحتاج إلى بحث واطلاع واسع بما يدور حول الانسان من احداث او وقائع او افكار او برامج، وبناء على هذا الوعي والادراك يتخذ الانسان قراره. وباتخاذ القرار سواء أكان على صواب او خطأ يكون قد استخدم عقله، وكان سيد نفسه، ولم يسمح للآخرين بالتفكير عنه او اتخاذ القرار نيابة عنه.

ه-«لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ»: ليس المطلوب فقط طلب العلم، بل يجب الاستضاءة بنوره. مجرد طلب العلم يوصلنا الى تكديس المعلومات، وهذا هو الأمر الذي حدث معنا في مواقع التواصل الاجتماعي، نمشي باصبع الاشارة الآلاف من الكيلومترات في طلب المعلومات ولكن لا أعرف هل الذي نطلبه نحتاجه حقاً ويسمى طلباً للعلم: كيف تمسح بقعة الحبر من على السجاد؟ كيف تخسر عشر كيلوات في أقل من شهر؟ ما هي أجمل النقاط التي تستطيع السفر اليها؟ وفي أي مكان صار حادثاً جديداً؟ معلومات من نوع أصفر(Yellow content) تتكدس فوق بعضها بعضاً ولا تفيدنا بشيء حقيقي في الحياة، العلم الحقيقي كالضوء ينير الحياة ويفتح للإنسان طرقاً للبحث عن السعادة والنجاح، كما يقول امير المؤمنين (عليه السلام) لصاحبه الوفي: «يَا كُمَيْلُ مَا مِنْ حَرَكَةٍ إِلَّا وَأَنْتَ مُحْتَاجٌ فِيهَا إِلَى مَعْرِفَة»[11]، العلم الحقيقي يعطينا معرفة ووعياً للحياة، اما اليوم ندخل الى كثير من المجالات في الحياة وليس لدينا وعياً، أولادنا وبناتنا يتزوجون وكل همّهم انه كيف يحتفلون وماذا سيلبسون، في حال انه ليس لديهم الوعي والمعرفة بالزواج والعيش مع شريك اخر، بناتنا يدخلون في عالم الأمومة والكل مشغول بجهاز الطفل، في حال أنّ البنت لا تعرف حتى الأوليات في تربية الطفل، أطفالنا يكبرون ونبذخ عليهم في الصرف ونغرقهم في التكنولوجيا حباً منا لهم، وليس لدى أولادنا الوعي بالتصرف معها وكيف ان يتعاملوا مع مواقع التواصل وكيف يتجنبون المحتوى الأصفر والاحمر، وكيف يستفيدون منها بصورة إيجابية حيث تنفعهم ولا تضرهم!! نحتاج الى الوعي في كل مجالات الحياة وهذا الوعي يكون استضاءة بنور العلم.

النقطة الثانية هي كلمة (لم يستضيئوا) التي على وزن باب استفعال ومعنى هذا الباب يدل على الطلب، والفرق بين (اضاء) و (استضاء) أنّ الثاني يدل على المبالغة وأنّ هذا الطلب به مقدمات وبعض الصعوبات لكي يصل الإنسان الى العلم، وهذا يدل على أنّ الاستضاءة بالعلم ليس سهلاً، ويحتاج منا جهداً وسعياً، فكرياً وعملياً.

النقطة الثالثة ربما الاستضاءة ستحدث عندما الانسان يحول العلم الى العمل، في كثير من الأحيان نتعلم الكثير من الأمور الجيدة ولكن العمل بها يكون اصعب، عند العمل يتحول العلم الى ضوء ينير طريق المشي نحو السعادة.

ي-«لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيق»: يقال: لَجَأْتُ‏ إلى فلان‏ إذا اسْتَنَدْتَ إِليه واعْتَضَدْتَ به‏[12]، في اللغة العربية يستفاد من ثلاث لغات مختلفة في مفهوم الالتجاء، عندما الانسان يستند الى شيء او احد ليعتصم من شرّ مواجه له فيستخدم مادة (العوذ)[13]، اما في بعض الأوقات يكون الاستناد لجلب ربح ومنفعة ما فيستخدم مادة (اللوذ) كما نقرأ في الدعاء المبارك:«فَإِنِّي بِكَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ وَأَلُوذ»، واما في بعض الأوقات يريد الإنسان أن يجلب الهدفان معاً: أن يعتصم ليدفع الشر عن نفسه وأن يعتصم ليجلب النفع ايضاً فيستخدم مصدر «الالتجاء»[14]، وفيما نحن نريد ان نلتجئ بالركن الوثيق لنجلب الخير وندفع الشر معاً.

ويبقى السؤال أنه ما هو الركن الوثيق؟! احتمال الأول هو الاعتماد بالأمور اليقينية التي لا يشك فيها، ففي عالم مواقع التواصل يجب عدم تصديق كل ما يطرح، ففي كثير من الأحيان لجلب مشاهدات واعجاب اكثر تطرح بعض الأمور التي هي اما غير حقيقية واما كذب، وفي هذه الحالة على الانسان أن لايصدق كل ما يراه ولايعطي اعجابا لأي كان ولا يعيد ارسال ايا كان من المحتويات الا اذا تأكد من صحة المحتوى مئة بالمئة.

والاحتمال الثاني والأقوى هم أهل البيت (عليهم السلام)، ففي الرواية عن الامام الرضا(عليه السلام) في تفسير آية الكرسي: «(فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)‏ يَعْنِي الْوَلَايَةَ، (لَا انْفِصامَ لَها) أَيْ حَبْلٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَئِمَّةَ بَعْدَهُ (عليهم السلام)‏، (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) وَهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا آلَ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)‏ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّور»[15]، فكلمة (الْوُثْقى) مؤنّثة الْأَوْثَقِ‏ كالأفضل والفضلى، وتدلّ على أشدّ في الوثاقة[16]، ومن هو أوثق من محمد وآل محمد (عليهم السلام) لنلجأ اليهم؟! فاللجوء ليس فقط عند الشدة، بل يجب أن نلجأ اليهم معرفياً وعملياً ونأخذ منهم الصحيح، ففي عالم التواصل نحن أمام سيل من المعلومات، فتارة المعلومات جذورها نسوية (feminism) وتزلزل كيان الأسرة، وتارة أخرى تصيب عقائد الأطفال وفيها الحاد(Atheism) وانكار الله سبحانه وتعالى(والعياذ بالله)، وتارة المعلومات بها قضايا غير أخلاقية او ايحاءات جنسية لا ندري هل يجب ان نحمي أنفسنا منها أو نحمي أطفالنا؟! والجواب هو في اللجوء الى الركن الوثيق وبناء البنيان العقائدي، فاذا قرأنا رواياتهم (عليهم السلام) على مدار السنة، وقرأنا الشروح والكتب التي تكون على أساس هذه الروايات وفق برنامج منظم، فاننا سنبني بذلك بنياننا الفكري والعقائدي، وأساس البناء اذا كان قوياً فانه لن يتزلزل بأقل الحركات والهزات، فإننا إذا بنينا بنياننا الفكري والعقائدي وفق فكر واحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، فأي معلومة اذا تعرضنا لها فانّ عقلنا لاارادياً سيقوم بالقياس وهل أنها تطابق بنيانه الفكري أو لا، فاذا كان مطابقاً فيأخذ بها أما اذا كانت مغايرة فسيرفضها.

ما هي الحلول التي نستطيع أن نتخذها لنربي أولادنا إعلامياً وفق الحكمة المباركة؟

-       لنعلّم أطفالنا الأصناف الثلاثة من الناس وفق كلام امير المؤمنين (عليه السلام)، ونزرع هذه الفكرة عندهم بأن يتعلموا على سبيل نجاة وليس لأجل أي أمر آخر، وفي حياتنا اليومية عند المواقف الروتينية نعطيهم الأمثلة عملية للمتعلّمين الناجين وللهمجية.

-       قولي لهم إنّ الوعي يختلف عن الشهادة، فليس بمجرد كسب المدارج العليا في الجامعة نصبح اشخاص واعين، بل الوعي هو ما نستضيء به من نور العلم.

-       إذا أردنا أن نفتح أولادنا على عالم التكنولوجيا فلا ننس أن نعطيهم الوعي الكامل وبصورة مستمرة عن المخاطر التي ستواجههم في هذا المجال فكرياً او جسمياً او دينياً، بلغة مبسطة يفهمونها.

-       التفكير الناقد (critical thinking) هو احد أهم المهارات الحياتية، فنَمّي ذلك عند طفلك، اذا نميتي عنده هذا النوع من التفكير فإنك ستحمينه من أن يميل مع كل ريح. عندما يشاهد أيا من الرسوم المتحركة أو فيلماً سينمائياً او الريلز في مواقع التواصل اجلسي معه وشاهدي المحتوى معه، ومن ثم اطلبي منه ان يقول رأيه فيما رآه، ومن ثم اطلبي منه ان يقول لك نقاط القوة ونقاط الضعف للمحتوى الذي شاهده، وساعديه في ذلك واضيفي عليه نقاط واحذفي منها، وعللي سبب هذه النقاط.

-       علّميه بأن كل ما يسمعه او يراه على مواقع التواصل لايصدقه، بل يسأل ويحقق انه هل هو صحيح أم لا.

-       حددي له وقتاً في استعمال التكنولوجيا، لأنّ قضاء وقت الزائد سيسيء الى هدفيته في الحياة، ويزيد نسبة تأثره بنعق مواقع التواصل والتأثير بريح افكارها.

-       املئي وقت فراغه بالامور الإيجابية والدورات الدينية الهادفة والرياضية وغيرها من الأنشطة التي تهدف لصناعة الشخص حتى لا يكون لديه متسعا من الوقت ليقضيه على التكنولوجيا.

-       علّميه بأن يكون لديه هدفاً في الحياة، فالشخص الهادف لا يميل مع كل ريح ولا يتأثر بنعق كل ناعق، لأنّ لديه ثبات ومبدأ يعيش وفقها.

-       قوي بنيانهم الفكري والعقائدي، فعن امير المؤمنين (عليه السلام): «الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ»[17]، وعلّميه أن لا يأخذ الّا من أهل البيت (عليهم السلام)، وأن لايصدق بما يقرأه او يشاهده في مواقع التواصل الّا ان يعرضه على اهل البيت (عليهم السلام) وهل هو وفق منهجهم الفكري او لا!

-       اجعلي في برنامج ابنك اليومي، ان يقرأ في كل يوم رواية عن اهل البيت (عليهم السلام)، او اكتبيها انت وعلقيها على الثلاجة او في مكان يراها كل افراد العائلة ويقرؤونها لاارادياً.

-       اغرسي في قلب اولادك حب الله تعالى وحب اهل البيت (عليهم السلام) فانّ حبهم أكبر ركن وثيق واذا اشبع من حبهم فلن يحبّ ويتبع ويتأثر بكل ناعق، ففي دعاء بعد زيارة الامام الحسين (عليه السلام) نطلب من الله عزوجل: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيَّ وَأَبَرَّهَا لَدَيَّ وَأَهَمَّهَا إِلَيَّ حُبَّكَ وَحُبَّ رَسُولِكَ وَحُبَ‏ أَهْلِ‏ بَيْتِهِ‏ الطَّيِّبِينَ وَحُبَّ مَنْ أَحَبَّهُمْ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ وَحُبَّ مَنْ عَمِلَ الْمُحِبَّ لَكَ وَلَهُمْ وَبُغْضَ ممنْ أَبْغَضَكَ وَأَبْغَضَهُمْ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ وَبُغْضَ مَنْ عَمِلَ الْمُبْغِضَ لَكَ.»

انها كلها نقاط يستطيع الوالدان ان يتخذوها كحلول لتربية أولادهم بصورة صحيحة في خضم طوفان التكنولوجيا، ولكن في اخر الزمان تبقى قلوب الوالدين قلقة على أولادها حتى وان فعلوا كل مايستطيعون، وليس لنا إلا أن نلجأ الى الركن الوثيق امير المؤمنين (عليه السلام) ونقول له: يا مولانا! انت قلت لكميل انك تؤدب المؤمنين، فأدّبنا وأدّب أولادنا كما تحب أنت ويحب الله ويرضى[18].

[1] أبو يوسف يعقوب

[2] روائع نهج البلاغة، جورج جرداق، صص9 و10.

[3] تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص147.

[4] عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: أَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) بِيَدِي وَأَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الْجَبَّانِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ وَ قَالَ (عليه السلام): «يَا كُمَيْلُ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيق‏.»

[5] الجبان هي بمعنى الصحراء وبما ان المقابر في اغلب الأحيان هي خارج من المدينة في بعض الأوقات تطلق عليها أيضا.

[6] مجمع البحرين، ج‏2 ، ص336 .  

[7] توضيح نهج البلاغة، ج4، صص341 و342

[8] مجمع البحرين، ج‏5، ص: 240

[9] الغيبة للنعماني، ص27.

[10] الكاتب التشيكي الفرنسي ميلان كونديرا

[11] تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص147.

[12] لسان العرب، ج‏،1 ، ص152 .  

[13] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج‏10، ص255.

[14] منشور تربیت، شرح نامه 31 نهج البلاغه، ص264-265.

[15] تفسير القمي، ج‏1، ص84.

[16] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج‏13، ص28 .  

[17] كنز الفوائد، ج1، ص319.

[18] قال اميرالمؤمنين (عليه السلام) : «يا كُمَيْلُ إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أدَّبهُ اللَّهُ عز و جل، وهُوَ أدَّبَنِي، وأنا أُؤَدِّبُ المُؤمِنينَ، وأُورِّثُ الأدَبَ المُكرَمِين‏.»( مكاتيب الأئمة، ج2، ص127)

الامام علي
عيد الغدير
الاسرة
الطفل
التربية
السلوك
التكنولوجيا الذكية
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة

    الرجل "الألفا" يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟

    مودّة "ذوي القربى" جنّاتٌ خالدة

    رجاء صادق

    لماذا لا نسقط من السرير أثناء النوم ليلا؟

    آخر القراءات

    الحديث والحسابات التي تليق به

    النشر : الثلاثاء 10 آب 2021
    اخر قراءة : منذ 3 ثواني

    الأبناء.. الضحايا الأكبر للخيانة الزوجية

    النشر : الثلاثاء 22 كانون الثاني 2019
    اخر قراءة : منذ 5 ثواني

    نادي أصدقاء الكتاب يناقش: سبايا آل محمد

    النشر : الخميس 03 تشرين الثاني 2022
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    ماهو الفرق بين الذبحة الصدرية والسكتة القلبية؟

    النشر : السبت 08 آيار 2021
    اخر قراءة : منذ 12 ثانية

    لماذا يعتبر كرسي الأطفال الهزاز خطراً؟

    النشر : الأحد 24 تموز 2022
    اخر قراءة : منذ 13 ثانية

    تعرف على أهم فوائد الفطر

    النشر : الأربعاء 27 تشرين الثاني 2019
    اخر قراءة : منذ 19 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3303 مشاهدات

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    • 426 مشاهدات

    الهندسة الخفية لتعفين العقل

    • 343 مشاهدات

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    • 340 مشاهدات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    • 336 مشاهدات

    صخب المبالغة: مأساةٌ وجودية!

    • 303 مشاهدات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3303 مشاهدات

    مهرجان الزهور في كربلاء.. إرثٌ يُزهِر وفرحٌ يعانق السماء

    • 2321 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1341 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1318 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1190 مشاهدات

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 851 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي
    • منذ 14 ساعة
    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة
    • منذ 14 ساعة
    الرجل "الألفا" يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟
    • منذ 14 ساعة
    مودّة "ذوي القربى" جنّاتٌ خالدة
    • السبت 17 آيار 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة