تمر بالمجتمع موجات مختلفة تأخذ مجاميع من الناس إلى اتجاهات مختلفة وكما أن كل الأجهزة تخضع لتحديثات وتجديدات خلال فترات معينة كذلك المجتمع يدخل في إطار من التغيرات تبعاً للعوالم الموازية له ومن ضمن هذه التحديثات انتشار كتب التنموية والفلسفية وبعض الأنواع الأخرى التي تسيدها ساحة المواد المقروءة وزيادة الطلب عليها من قِبل طلبة الجامعة والأصغر منهم سناً.
وبات جزء من هذه الشريحة المجتمعية تتفاخر بكونها تعلم كل شيء وحل لكل مشكلة ذلك فقط لأنها قرأت كتابا أو كتابين فيكونون الأعلم ولا يُعلى على كلامهم ويثقون بنفسهم كالقطة التي ترى نفسها أسداً في المرآة، وهنا تكمن مصيبة من نوع آخر إذا كان لهذه الفئة جمهوراً ويكون شخص ذا طابع مؤثر ولساناً دبلوماسياً مرناً يكسب به كل الفئات ويسيّر أعماله من خلالهم وينصحهم ويفتي عليهم بما لا يعلم ولا يدري خاصةً وكون مجتمعاتنا أشبه بالقطيع تركض وراء كل من هب ودب.
وهنا تحديداً وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) لحل هذه المشكلة من جذورها فوضع لنا باباً من الحكم ضمن هذا السياق فقال (عليه السلام) في الخطبة ١٥٤ من نهج البلاغة: «فإنّما البَصیرُ مَن سمِعَ فتَفَکّر».
ويمكن تعريف البصير لغةً واصطلاحاً على أنه الشخص الذي نظر في الأمر ملياً ويتقصاه من جميع جوانبه، تأمله، تروّاه ليتبيّنهُ، وكذلك البصير بالعواقب الذي يأخذ الاحتياطات متداركاً لما يحدث وقد يحدث فيما بعد. أو تبصَّر الأمْرَ، تبصَّر في الأمر: تأمَّل وتبيَّن فيه ما يأتيه من خَيرٍ أو شرٍّ.
فالله سبحانه وتعالى رزقنا نعمة العقل وألهمنا صلاحية الفطنة والتفكر وأعطانا الأدوات لنتأمل، فما هي الحجة لمن لا يستعمل نعمة الله في الطريق الصحيح واتخاذ القرار الأصح كما أن الكثير من القرارات الخاطئة قابلة للإصلاح ومادام الوقت لم ينفذ والساعة لم تتوقف، لمَ مازال المخطأ مصراً على خطأه؟ ومتزمتاً برأيه؟ معانداً لما يخدم مصلحته؟
والسؤال الآخر هو أن الفرد يقوم بكثير من الأعمال الشاقة جسدياً في حين أنه يمكن أن يختصر كثير منها فقط لكي يفكر لمدة دقائق ويستنتج، لكن على ما يبدو إن العمليات الذهنية باتت شاقة أكثر من الجسدية في حين أنها تتطلب وقتاً أقل، إن الشعوب عموماً تعاني من البدانة أو السمنة العقلية لأن العقل بطبيعته الفسيولوجية يُعرف على أنه نسيج عضلي متميز عن بقية الأنسجة وبما أنه عضلة وهذه العضلة لا تقوم بأي تمارين رياضية تحفيزية ذهنية فحتماً ستعاني من السمنة كبقية عضلات الجسم وبالتالي فإن الرياضات الذهنية مهمة جداً لإعادة تحفيزها.
مثلاً لماذا الطلاب يدرسون مادة الرياضيات الجبرية أو الهندسية المعقدة في حين أننا لا نستخدمها بالواقع الذي نعيشه ببساطة لأن علم الجبر والرياضيات هي أفضل التمارين للحفاظ على القدرات العقلية وكذلك القراءة والتعلم المستمر هي أساليب مهمة لتوسيع البصيرة والتأمل في المشاكل والتروي قبل الإقبال على فعل أي شيء أو ابداء ردة فعل على حدث معين فهذه هي الامتيازات التي وهبها الله تعالى للإنسان فلابد أن يستثمرها في نفسه ويرتقي بها في الدنيا والآخرة ذلك كما قال تعالى في كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم
”قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” سورة الزمر: الآية 9
اضافةتعليق
التعليقات