عندما كنت أعمل موظفاً في السفارة العراقية في جنيف في سويسرا مسؤولاً عن الأمور التجارية شغفني لقاء شبيه شخصية (شايلوك) في مسرحية شكسبير تاجر البندقية حتى قصدت صديقًا لي كان يعمل معنا كمترجم، شاب لبناني اسمه جورج وكان يجيد التحدث بأربع لغات غير العربية بالإضافة إلى أنه كان يتمتع بذكاء كبير وحيوية عالية.
قلت له: جورج أريد أن أرى يهوديًّا سويسريًّا (أوربي) شخصيته تشبه شخصية شايلوك في مسرحية شكسبير تاجر البندقية.
رفض الأمر في البداية غير أنه وعدني بعد إلحاحٍ مني وإصرار.
في صبيحة يوم ربيعي طقسه جميل ونسيمه عليل قال لي جورج:
- وجدتُ لك واحداً، ابتسمت في وجهه حتى أحس بشعور الامتنان الذي أكنه له، أخذني إلى مدينة جنيف القديمة وإلى محل (أنتيكات) رأيت رجلاً سبعينيًّا يرتدي نظارات طبية رفيعة لقد كان يشبه شخصية شايلوك، عند دخولنا المحل قدمني إليه باسمي وقال له:
- هذا أستاذ عراقي يحب أن يتعرف على حضرتك، فمد اليهودي يده مصافحاً ذاكراً اسمه،
وقبل أن يسحب يده فاجأني بسؤال قائلًا:
- الأستاذ من جماعة علي بن أبي طالب؟
إرتبكت كثيراً، فقال اليهودي ضاحكاً بعد أن سحب يده:
- تفضل اجلس .
فجلست، أوصى لنا بقدحي قهوة ثم أكمل كلامه معي قائلًا:
- أنتم جماعة علي في العراق عندكم صفتين واحدة أسوأ من الأخرى!
قلت له: ماهنَّ؟؟!
قال شبيه شايلوك :
- الأولى هي أن لكم أكثر من ١٤٠٠سنة وأنتم تخافون أن تقولوا إنكم من جماعة علي، والثانية هي أنكم وعلى الرغم من كل هذا التأريخ، لم تعرفوا حقيقة علي ابن أبي طالب!!
اشربوا قهوتكم وسوف أريكم وأسمعكم شيئاً عن علي .
بعد أن انتهينا من شرب القهوة قال لعامله: اذهب واطلب من ولدي ديفيد الحضور.
ما هي إلاّ دقائق قليلة حتى حضر رجل أربعيني (جنتل مان) يرتدي بدلة حديثة وأنيقة، قال له والده:
- قدِّم نفسك للضيوف.
قدَّمَ نفسه قائلاً: دكتور ديفيد .
قال له والده : قل لهما عن تخصصك؟
أردف الدكتور قائلاً : دكتوراة بفلسفة الاقتصاد من جامعة السوربون الفرنسي.
مرَّ من أمام النافذة صبي صغير يركب درجة هوائية مسرعاً، أعادتني الذكريات إلى أيام طفولتي في العراق حين كنت ألعب بدراجتي والشوارع غير مبلطة بل مليئة بالأحجار والمطبات تأوهت قائلاً شتان مابين الدولتين !!
أكمل والده وقال له:
- قل لهم ماذا كانت أطروحتك لنيل الدكتوراه؟ فقال دكتور ديفيد :
- كانت أطروحتي هي قول علي بن أبي طالب: (ما جاع فقير إلاّ بما مُتَعَ به غني) وأجريت مقارنة فلسفية اقتصادية لهذا القول مع نظرية فائض القيمة لكارل ماركس، قيمة قوة العمل غير مدفوع الأجر (The pluss of values) وحصلت على درجةHonor) أي درجة شرف وهي أعلى من درجة الإمتياز (The acselant).
فقال اليهودي الأب مخاطباً إياي:
- انظر قول واحد لـ (علي) حصل فيه على شهادة الدكتوراة !!
أكمل حديثه معي بقوله: أريد أن أقول لك شيئاً في صدري قبل أن تذهب بالسلامة، إنه من الجريمة أن يكون ظهور علي بن أبي طالب عندكم أنتم العرب!
عدت إلى المنزل وظل صدى جملته الأخيره يصدح في أذني.
أقررتُ إن الحق فيما قاله حين اطلعتُ على تاريخ أوربا قبل ظهور الإسلام إذ أن الغربيين حتى القرن الثامن الميلادي كانوا يعيشون في بربرية وهمجية وكان المسلمون يحملون راية العلم ويدعونهم إلى التمدن والصلاح كما يعترف بذلك كبار علماء الغرب أمثال : إرنست رنان الفرنسي وكارليل الإنجليزي وندرمال الألماني وغيرهم ولكن الذي قلب الموازين أن المسلمين أهملوا علياً والغرب تلقفوه، هم أرادوا العلم فولجوه من بابه وسادوا به، أما نحن متى هممنا بمنافستهم ماعلينا سوى أن نغترف من الغدير الذي لدينا، فمياهه رقراقة.
اضافةتعليق
التعليقات