تذمرت الحاجة أم خالد بسبب تنظيف بيتها الكبير الذي امتلأ بذرات من التراب الأمر الذي تطلب منها جهدا مضاعفا في تنظيفه غير أن زوجة ابنها (كنتها) لم تكترث للأمر بل عقبت عليه قائلة لها: العواصف الترابية مستمرة هذا الشهر علينا أن نبدي استعدادنا لها وأن لا ننظف بدقة متناهية إلى أن تنتهي بإذن الله تعالى...
الزائر الأصفر
اكتسحت في الأشهر الماضية موجة عسيرة من العواصف الترابية طالت الدول المجاورة وأغلب المدن العراقية، وتعد هذه العواصف التي يمكن وصفها بالزائر الأصفر الثقيل من الكوارث الطبيعية حيث أنها عبارة عن رياح عاصفة محملة بذرات ترابية وغبار من قشرة الأرض السطحية المفككة وهي تخلف الكثير من الحوادث والأضرار على جميع مستويات النشاط البشري ولكننا يجب أن نتأمل قليلا بأن كل ما يرسله الله عز وجل يكمن في باطنه رحمة للعالمين ...
عظمة الله تعالى
(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) بهذه الآية المباركة استهل الحاج احسان الخالدي حديثه ثم تابع قائلا: لابد أن يحمل الله لنا رحمة في كل شيء وإن كانت هذه العواصف المغبرة مؤذية للسيدات في تنظيف البيوت وأصحاب المحال التجارية والبائعون المتجولون حيث تتوقف حركة البيع والشراء فضلا عن أصحاب الأمراض المزمنة كالربو والحساسية الصدرية وغيرها إلا أنها لابد أن تكمن قدرة نحن نجهلها ومن الآية الكريمة نستدل على اعجاز الخالق للمخلوقات من حيث ارسال الرياح لقتل بعض الفايروسات أو لتلقيح الأشجار التي لا تصلها أيادي البشر.
وأضاف: كما لا ننسى الأمطار أيضا فلها نفس الخصائص وما يرسله الله تعالى لنا إنما هو رحمة لعباده وعلينا أن نشكر الله على ذلك دون تذمر فهناك كوارث طبيعية لا يمكن أن نتفاداها مثل الزلازل الأرضية القوية أو انفجار البراكين إن وجدت لدينا.
بينما تنقل لنا ناهدة حنون (ربة بيت) رأيها قائلة: شئت أم أبيت فهذا ملك الله وهو حر به وما علينا سوى أن نحمده ونشكره على عطاياه ولا أنكر بأني تعبت من مراحل تنظيف البيت غير أني اعتدت على الأمر ونأمل في الأيام القادمة أن تدر سماء الخالق بغيث يروي جفاف بلدنا الحبيب وينزل ذرات التراب ويعيدها إلى الأرض من جديد.
فيما قالت أم ليث (موظفة): كل شيء سيزول لا ضير في ذلك إلا أني مصابة بالتهاب رئوي مزمن لهذا تسببت لي العواصف الترابية بتحسس حاد فقدت بها صوتي حيث بت أتحدث مع أفراد أسرتي بلغة الإشارة أو الكتابة عبر الهاتف.
ختمت حديثها مبتسمة: إنما هي فرصة لأستمتع بالصمت وأشكر الله على نعمة النطق.
أسباب ومعالجات
يؤكد الباحثين من أصحاب الاختصاص في علوم الجو أن من أهم أسباب العواصف الغبارية عدم وجود الأمطار فتكون التربة مفتتة وليست ممزوجة مع بعضها وعندما تزداد مدارات الرياح تثير الغبار، كما هنالك بؤرة للعواصف الغبارية على وجه الخصوص في المناطق الصحراوية حيث تتأثر بأي رياح وإن كانت بسيطة وهناك أسباب خارجية لهذه العواصف وأخرى داخلية، ومن الأسباب الخارجية وقوع العراق تحت منظومتين ضغطيتين منظومة البحر المتوسط أثناء الصيف حيث يكون هناك جفاف فتحمل العواصف الترابية وتأتي من المنطقة الغربية تبعا لحركة الرياح من الغرب إلى الشرق لتحمل معها العواصف في فصل الصيف.
والمنخفض الضغطي الآخر هو السوداني والذي يحمل معه الغبار والجسيمات الترابية من منطقة المملكة العربية السعودية ليدخلها إلى العراق ولكن هذا النوع من العواصف نسبته قليلة.
أما الأسباب الداخلية بسبب التلوث البيئي من المعدات الثقيلة لبعض الآليات التي تسبب في تهشيم التربة وتفتيتها حيث أي رياح عاتية تقوم بتوليد عواصف ترابية، كما الرعي الجائر وقلة التشجير أديا إلى زيادة التصحر لأن النبات يعمل على مسك التربة من خلال جذوره.
وقد كان لظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري أثره أيضا على زيادة العواصف حتى أن هذه الظاهرة أدت إلى نقص في هطول الأمطار وزيادة ارتفاع درجة حرارة التربة وتفتيت ذراتها وبالتالي تطايرها.
حلول قيد التنفيذ
لا توجد معالجات آنية في الوقت الحالي لصعوبتها لكن بالإمكان القيام بمصدات لتخفف من سرعة الرياح وذلك من خلال زراعة الأشجار أو ما يسمى بالحزام الأخضر حول المدن وزيادة الواحات.
هذا وقد اطلقت مؤخرا منظمات المجتمع المدني في مدينة كربلاء المقدسة مبادرة حملة تشجير تحت شعار (ازرع شجرة بعطر الشهادة) دعمتها العتبات المقدسة والحكومة المحلية وذلك من أجل زيادة المساحات الخضراء ومعالجة أزمة التصحر.
اضافةتعليق
التعليقات