حافاتٌ وعِرة، يُخيّل إليك إنها النهاية، كلُ شيءٍ قاتمٌ من حولِك، تتهاوى روحك، كأنك تنزلق في وادٍ سحيق، هل انتهى كل شيء حقاً! أين ذهبت تلك الذكريات والوعود؟ أما ظننا إنهُ "الأبدُ؟" كيف ينتهي ما حسِبناه "لا نهائي؟"... كأن أبراجاً ساحقة العلوّ تنهار فوق رأسك تِباعاً، لكم أُرهقتَ في تشييدها ولكم اعتنيت في زخرفة جدرانها، تُطحن الآن أمام ناظريك طحن الرحى، ولا تلوي على شيء سوى أن تُبصرها تذوي! ما الحكمة من هذا الأذى وأين التفسير الذي يُذهب عني كل هذه الضبابية الخانقة؟
سرمديّ... هكذا خِلتَهُ، لا يُفرّق بينك وبينه إلا الموت، فإذا به يموتُ قبل الموت، ويُميتك معه. تتدفق التساؤلات في جمجمتك المُتخمة بالفوضى، تكادُ تتصدّع من فرط الضغط الذي ينبعث داخل حدودها، "لم أنا؟ لم أتألم هكذا وحدي؟ لم انته ما ظننته سعادتي الخالدة؟ أيُ حظٍ بائس أملك!".
تدورُ حول نفسك مثل دولابٍ قديم صدِئ، أسئلة وأفكار قاتلة، كيف؟ لم؟ أين؟ وما الحكمة! في قصة موسى (عليه السلام) والخضر، كان الصبر والتيقن من حكمة الفُراق محورين أساسيين للخروج بزُبدةِ الرحلة والدروس التي سُقيها موسى، كان يُمكن لموسى أن ينهار قانطاً من انتهاء كل شيء بهذه الطريقة القاسية، أن يتذمر من جهله وتفوّق العبد الصالح عليه بحنكته، أن يعترض على التفسيرات التي أٌلقيت عليه ويشتعل غيظاً لأن الأمر انتهى بهذه الطريقة! لكنه كان واثقاً من إن كل شيء يحصل لسبب، وإن كلُ فِراق، يتبعه سموٌ في الوعي والإدراك يُخوّله لبدء مرحلة أكثر تقدُماً في حياته.
لا تتكرم علينا الحياة دائمًا بخضر يخبرنا التأويل الذي ننتظر، لكن يكفي يقيننا بإن لكل قدرٍ نمرُ به، حكمةٌ ما، يكفي أن نؤمن بهذا كيلا نتحسر على ما فاتنا ولا نبقى مترنحين في متاهاتٍ ملتوية، نبحث عن تفسيرٍ هنا وتبريرٍ هناك، نتأملُ معجزاتٍ تُتساقطُ علينا من الفِردوس الأعلى لتُعيد لنا ما فقدناه، ذاك الذي أبعده الرحيم عنا كي يُحل محله خيرٌ أعظم ولكننا بجهالةٍ نتمسك به ونرى أنفسنا هالكين دونه.
ستحصل على التعويض الذي يليقُ بصبرك ما دُمت على يقين بأن المقادير تجري بحكمةِ إلهٍ مُدبّر، لا يغفل عن عباده مقدار طرفة عين، ستكون رحلتك مُتعبة لأنك لن تحصل على التبرير الشافي، لن يُسلّط الضوء على تلك التفاصيل التي حيّرتك وأذهبت عقلك ورمت بك على حافة القنوط، ولذلك فهي دُنيا، يسعى فيها العِباد للعيش بأقل قدرٍ من التعثر، مع إيمانٍ عميق بأنهم حال وقوعهم، ستُمد لهم أيادٍ مُنقذة، يكفي أن يُؤمَن بها لتظهر.
اضافةتعليق
التعليقات