شهداءنا رسموا بتضحياتهم أجمل وأسمى معاني التضحية، بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على أرضهم وتأمين حقوقهم والسعي للإصلاح، خرجوا لينقذوا شعب عاش دهرا بين المطالَب التي لا تتحقق والوعود التي لا تسد رمقا ولا تغني عن جوع، حيث شهدت التظاهرات في ساحة التحرير أحداثا ومشاهد وطنية ملهمة سيبقى تاريخ العراق شاهداً عليها.
ومع بداية التظاهرات الشعبية في العراق، بتاريخ الأول من تشرين الأول،«المطعم التركي (جبل أٌحد) جسد ذاته ملاذ المتظاهرين في ساحة التحرير وهو مبنى مهجور يطل على ساحة التحرير، وبعد تصاعد وتيرة أحداث التظاهرات، قام المتظاهرون بالسيطرة عليه، وقد كان يُستغل من قبل القناصين لرصد المتظاهرين، وكان المبنى يشتهر باسم المطعم التركي، ويُعرف حالياً باسم «جبل أحد».
وقيمة اصحاب التكتك بما فعلوه بنقل الجرحى، اختلفت آراء الناس في كيفية إعداد التظاهرات وهل هي معدة مسبقاً أم صنيعة شعب مخذول نُهب حقه ورزقه بين ذويه، أحداث متوالية وأوضاع متواترة، وإن ثورة الشعب العِراقي هذه مشروعة، ولا نُبالغ إذا قُلنا إنّها تأخّرت، وإغلاق الباب في وجه مُحاولات استغلالها وتوظيفها وتحقق مطالبها في الحياة الكريمة، والخدمات الجيّدة، والوظائف المُلائمة للشّباب، وإن الفساد والوطنيّة لا يلتقيان، مهما حاول المُنافقون خلطهما وإن الذي یحدث الآن في العراق باختصار هو تنامي الوعي الوطني لدى الجيل الجديد. ذلك الجيل الثوري الذي لم يقتنع بوعودات الحكومات العراقية المتعاقبة، جيل يعرف أن بلده يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية حيث يقدر مركز دراسات الطاقة العالمية في لندن أن العراق يمتلك 112.5 مليار برميل من النفط في باطن الأرض لم يتم استغلالها حيث تشكل 11 % من الاحتياطي العالمي، وتُقدر احتياطات الغاز الطبيعي في العراق بنحو 110 تريليونات قدم مكعب أي ما يعادل 2% من الاحتياطي العالمي، جيل يعرف أن بلده من أغنى بلدان المنطقة بثرواته إلا أنه لايزال يعيش في ظل تدهور الوضع والأمن وسوء خدمات المياه والكهرباء والبلدية والارتفاع الفاحش لأسعار الوقود والعقارات والسيارات وتفشي الفساد الإداري والبطالة والفقر والخ..
حيث عالجت الثورة ولاتزال تعالج أمراض ومشاكل المجتمع وتفتح الباب مشرّعاً أمام هوية عراقية جديدة ووعي وطني وإن جمرة كرامة العراقيين وهاجة وليست بحاجة لمن يشعلها، فتاريخ العراق يشهد بأن الشعب العراقي هو من أكثر الشعوب جدلًا واحتجاجاً وثورة. حيث أعلنت وزارة الداخلية العراقية سقوط عدد كبير ومتزايد من الجرحى والشهداء خلال المظاهرات التي شهدتها مناطق عدة في البلاد ضد الفساد والمنظومة الحاكمة.
أما قيمة الشهادة في الاسلام فذكر صحابي لما دخل الشهداء الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة قالوا يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصابنا من الخير.
لقد ذهب الشهداء إلى جنة، إلى كرامة ورضوان من الله، إلى مساكن طيبة إلى حور مقصورات في الخيام والشهيد الذي غادَرَ هذه الدنيا ليس بميتٍ يُحسَب في عداد الأموات، بل هو حيٌّ يعيشُ حياةً برزخيَّة يعلمها الله تعالى إنَّ الشهادة في سبيل الله درجةٌ عالية لا يهبها الله إلا لمن يستحقُّها؛ فهي اختيار من العليِّ الأعلى للصفوة من البشَر؛ ليعيشوا مع الملأ الأعلى، إنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صُحبة الأنبياء فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((للشهيد عند الله ستُّ خِصال: يغفر له في أوَّل دفعة، ويرى مقعده من الجنَّة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزَع الأكبر، ويُوضَع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفَعُ في سبعين من أقاربه).
وإذا قُتِل الشهيدُ لم ينقطعْ عمله الصالح، بل يزيد ويتضاعف، فبالشهادة، قد يحقق الشهيد هدفه السياسي، وهذا لا يعني انتهاءه، فآثار الشهيد ستبقى حيّة، تستثير الضمائر الحرة، والقلوب الواعية. وقد تؤول إلى صناعة أجيال ثائرة، تحمل هموم الشهداء، وتعمل لتحقيق أهدافهم.
ولعل أبرز دليل على هذه الحقيقة، قضية سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، الذي قام منتفضاً من أجل الله وإصلاح المجتمع، وتحقيق الحضارة الإسلامية ضد الجاهلية، وبذل دماءه ودماء أصحابه لإيقاظ ضمير الأمة واستنهاضها.
فعلى أثر تلك الدماء الزكية التي سالت على رمضاء كربلاء، ظلماً وعدواناً، تشكلت حركات رسالية سارت على نهج الحسين عليه السلام، تبغي أهدافه، فما دامت دماء الشهداء، قضية مرتبطة بمبدأ، فإنها تشكل بصمات على جبين العالم.
اضافةتعليق
التعليقات