يبدو أنَّ ديدن البشرية اليوم أصبح؛ عندما تريد الأفضل فهذا يعني الأسهل والأسرع والأكثر توفراً، كل شيء فيه هذه الميزات هو حتما سيكون من الوسائل التي ينبغي أن تكون الأفضل والأكثر فعّالية لإيصالك لما تبتغي.. وهذا الإعتقاد تتبناه أغلب فتيات أو نساء اليوم متخذات من وسيلة الجمال أيقونة سحرية وسريعة المفعول للوصول للمبتغى.
حسنا، في عالم يتم فيه وضع كل شيء في علب، لا نستغرب فيه قولبة معايير المبادئ والإنسانية والفضيلة لتصبح وفقا لهذا القالب، شيء قابل للتماشي مع متطلبات الأسواق، شيء يخضع للقبول أو الرفض وفقا لهذه المتطلبات.
ومن بين كل الأشياء التي يتم التحكم بها بطريقة أو بأخرى بهدف جذب أكبر قدر ممكن من العيون الراغبة بالشراء وبالتالي الاستهلاك من بين موديلات الأغذية، الألبسة، الأثاث، العقار وغيرها أصبحتِ أنت القطعة التي يتم المزايدة على عقلها للأستفادة والترويج لكل ما سبق، لكِ وحدك عزيزتي تتنافس الآلاف من الشركات فيما بينها وتتراهن كل واحدة على جعلك أجمل، ببشرة ألطف -فاتحة وأحيانا مُسمّرة وأحيانا أخرى وردية أو شاحبة-، هناك من يبني مستقبل أبناءه على حساب جعل رموشك أطول أو أكثف، يسرني أن أخبرك بأن هناك الكثير ممن يهتمون بك وبجمالك وبإقناعك بأنه هناك معايير خاصة للمرأة تكون على أساسها مقبولة أو غير مقبولة، وجعلك مهووسة بذلك حتى وإن أظهرتِ عدم الأكتراث لأن العدوى ما أن تظهر بين شريحة النساء حتى تنتشر ليتم التضحية بما يمكن التضحية به من المصروف، فقط من أجل الوصول للمنتج الفلاني أو النتيجة الفلانية..
أنتِ جميلة ومتأنقة وملفتة ومواكبة لما جاء اليوم وما سيأتي غدا، ترغبُ بك العيون، ثقتك عالية بما أنتِ عليه، إمكانية حصولك على زوج ووظيفة والحياة كلها في الجيب الجانبي لحقيبتكِ من طراز (ديور) أو (سوزن) أو أيا يكن..
حسنا ليس في نيتي أن أفسد عليكِ متعتك، لكن إياك وتصديقهم فجمالك وحده لايكفي، ستخبريني بأن المرأة فُطرت على الإعتناء بنفسها وحب الظهور بشكل جميل وأنيق وأنه ليس كل النساء الجميلات والأنيقات لهن نفس النظرة والغرض من تأنقهن.
وأخبركِ بأنه فعلا كذلك لكن هناك من يستغل هذه النقطة بالذات ليجعلها تطغى على شخصية المرأة ومؤهلاتها الأخرى، هناك من يجعل هذه الغلالة الملونة على عيونها ويقرنها بالثقافة والعصرية والقبول في المجتمعات الراقية، في وقت أصبحت المجتمعات الراقية تراهن نساءهن الراقيات على الظهور الطبيعي الخالي من التكلف وشن حملات في أن تتقبل المرأة أو الفتاة نفسها كما هي لتفرض على المجتمع تقبلها وأن يلتفت ويقدس فيها أشياء أخرى تؤهلها للخوض في غمار الحياة ومجالاتها كونها إنسانة أكثر من كونها أنثى، فعليه أن يقدس قيمها ومؤهلاتها وقدراتها وأشياء أخرى أكثر جوهرية وأهمية من مجرد مظهر، أكثر من مجرد لعبة (مليكانه) عرض أو آلة رغبة وتكاثر.
عقلها وعلمها وذكائها، قدراتها ومؤهلاتها، لو وضعنا هذه القيم في ميزان الواقع لما تم تقديرها وتقديسها كما الجمال، والجواب ببساطة لأنكِ فعلا تقدسين الجمال والمظهر وتفرضين هذه القناعة على مجتمعك فيقابلك بالمثل..
في الوقت الذي يكون المجتمع بأمس الحاجة لجواهر وعيك وحكمتك تلك الجواهر التي إن لم تكتشفيها أولا لتنميها وتهمتمي بها، فأعدك بأن جمالك لن ينفعك عند أول تحدي تضعك فيه الحياة وتفشلين فيه، أو كما أشارَ أحد الأدباء، بأن هيبة جمالك تزول عند أول محادثة، - بإعتبار طريقتك بالمحادثة تكشف عن مكنونات جمال العقل والوعي الذي أنت عليه-.
أول رسالة تَقبُّل يبعثها الجمال الخارجي هي رسالة عينية تنتهي عند النظرة، أما جمال الجوهر والخلق والمنطق فيتعدى ذلك ليترك تقبلا في النفس وارتياحا في التعامل وتآلفاً في الروح.
إذن لو تأملتِ بين الأمرين فإن من الأولى أن تهتمي به هو بناء الهيكل الداخلي، واعطاء الأولوية لطبيعة الشخصية التي أنتِ عليها والتي على أساسها سيتحدد كونك إنسانة ناجحة وذات ثقة راسخة أمام نفسها أولا وأمام مجتمعها ثانيا.
في كل مرة تفكرين فيها الحصول على منتج يعتني بكِ ويجعلك أجمل وفي كل مرة تفكرين فيها الذهاب إلى السوق أو المرور إلى (الكوزماتيك)، في المقابل فكري بالعروج إلى المكتبة والحصول على كتاب يمتعكِ ويثريكِ فكريا.
في كل مرة تشاهدي فيها فيديوهات العناية بالبشرة أو طرق التجميل، فكري بالمرور بالقنوات التنموية أو المعلوماتية ومشاهدة فيديواتها، أعطِ لتنمية مواهبك وتوسيع تفكيرك والاهتمام بوعيك نفس أهمية تنقية بشرتكِ أو الاعتناء بأظافركِ.
الزوج الذي لا يرى فيكِ غير المظهر لن يقيمكِ ويعاملك أبعد مما يرى، لن يعطي لرأيكِ وحضور عقلك أي قيمة، والوظيفة التي تتأهلين إليها وفق حُسن مظهرك لن تُسعِفَكِ طويلا إن لم تعتمد على قدراتك وخبراتك ومؤهلاتك.
عزيزتي حواء.. في هذه الحياة التي تنشدين التعامل معها بقوة والخوض في غمارها بنجاح وطرق أبواب حظوظها، فإن جمالك وحدهُ لا يكفي.
اضافةتعليق
التعليقات