تكرّ الليالي وتمر الايام في حياة عملاقي الاسلام (علي وفاطمة) حتى رُزقا بذكرين اثنين هما الحسن والحسين، ولعل من اكتمال سعادة اي زوجين هو ان يُرزقا بالجنسين معا (الذكر والانثى)، وربما تكون الزهراء قد طلبت من ربها بنتا تكون ريحانة يُشم أريجها، ووردة تعطر جنبات حياتهما الزوجية الدافئة.. فكانت زينب ريحانة البيت العلوي الفاطمي.
وتتقلب هذه الطفلة المدلّلة في احضان أبوّة رحيمة وأُمومة حانية، وبين اخوين يغدقان عليها من الحب والحرص ما يفوق الوصف.
فتنشأ زينب في اجواء ايمانية، طافحة بالمحبة ومكلّلة بأريج العطف والحنان، حتى تشبّعت جوانحها بحبٍ سامٍ لا مثيل له.. لقد سألت اباها ذات يوم: أتحبّنا يا أبتاه؟ فيجيبها الامام امير المؤمنين عليه السلام: وكيف لا أحبكم وانتم ثمرة فؤادي؟! فقالت: يا أبتاه انّ الحب لله والشفقة لنا.
انه جواب طفلة لمّاحة، قد ترّبت في معقل الحكمة وفصل الخطاب.
فليس عجبا ان وُصف منطقها، بعدما كبرت وترعرعت بمنطق امير البيان.. أليست هي من ترّبت في حجره فألقمها الحكمة، وغذّاها من عيون الكلم الطيب نبعا رقراقا، حتى قيل فيها: عالمة آل محمد؟! فلا غرابة اذن ان عُدّت زينب نسخة عن أبيها.. فصيحة اللسان، عالية الهمّة، عظيمة الجانب، ثابتة الجنان، قوية الحجة، راجحة العقل، ذات بلاغة فائقة حتى كأنها تفرغ عن لسان ابيها امير المؤمنين، في خطبها الكثيرة بين الكوفة والشام.
وصدق من وصفها اذ قال فيها:
الزاء.. زهو الحكمة
والياء.. يراع الثورة
والنون.. نبع المحبة
والباء.. بسالة ضد الظلم والظَلَمة.
انها زينب.. بل زينة أبيها عليه السلام، وهي ريحانته من الدنيا، بعد رحيل حبيبته الزهراء الى دار الحق.. فكان يكثر من شمهّا اذا داهمته الخطوب وازدادت لوعة الاشتياق، فتنتشي حياته بهجة وسرورا.
اما جاهليتنا الحديثة فهي على النقيض من هذه الصورة المستقاة من النهج العلوي، فالاغلبية العظمى من المسلمين يمتعضون اذا بُشّروا بمولودة انثى، فترتسم على وجوههم صور الامتعاض وعدم التسليم بما وهب الله، بل ويزدادون كمدا وحسرة وضيقا، ظنا منهم انّ الصبي اكثر بركة من الصبية، ولعل البعض منهم يُصبح ويُمسي متفاخرا بكثرة ولده على من سواه، ويُبدي من صفات النزعة الجاهلية المقيتة ما يدعو الى الاشمئزاز والنفرة..
هل نسي هذا المتفاخر (جهلا) انّ الفخر كل الفخر في اتيان العمل الصالح والتوفيق للباقيات الصالحات، وليس لعدد الذكور وكثرة الولد؟! وهل أدرك هؤلاء الجاهليون الجدد انّ نبيّهم الاكرم صلى الله عليه واله، حُرم من الذكور لكنه رُزق بكوثر لا عد له ولا حصر من الخيرات ما ملأ الخافقين، تمثّل بابنته فاطمة؟!
ليتهم يعرفون قيمة الانثى، وما تمثّله من فضيلة حياتية لو أحسنوا تربيتها ونشأتها.. ليتهم يدركون القيمة العليا لخلق الانثى، وعاء الحياة للبشرية جمعاء.. ألا ليتهم يدركون ولو بعد فوات الاوان.
اضافةتعليق
التعليقات