كانت هناك فتاة تعيش حياتها في ظلام معتم يحيط بها من كل جانب، وبعد فترة من الزمن قد لاح لها الامل يفتح أبوابه ويشع كنقطة أمل أعادت لها الحياة، وبدأ الظلام يبتعد عنها ليشرق أملها من جديد، كان الأمل بحصولها على وظيفة بعد عناء طويل، وها هي تدرك بأن لا مستحيل بالحياة، وها هي تفتح أبوابها لي، فالفرحة تغمرني والابتسامة لا تفارقني، أحسست ان الحياة بدأت الآن، فكانت الوظيفة التي حصلت عليها معلمة في إحدى المدارس ضمن منطقتنا، وكانت مدرسة إبتدائيه للبنين.
فبدأت رحلتي وانا خارجة من منزلي، ركبت السيارة وذهبت اليها ووصلت أمام بابها ودخلت لها برجلي اليمنى، وبعدها سرت قليلا ودخلت تلك الإدارة التي يوجد فيها الأساتذة والمدير، فسألت عن المدير وقالوا لي هذه هي غرفته، فطرقت الباب وأذن لي ودخلت ورحب بي وقال لي أجلسي هنا لأحدثك بما تفعلين، وأي صف سوف تدرّسين، وقال سوف تبدئين بتدريس الصف الثاني الابتدائي، فقلت ان شاء الله وبعد ثانية من كلامه..
واذا به يقول لا تعطي للاولاد فرصة كوني قوية أمامهم، وخذي هذه العصا التي كان لونها أخضرا وأضربي بها الطلاب، وكل من يتمادى ويرفع صوته بقوله (أعطِهم العين الحمرة) وكوني عصبية أمامهم.. بصراحة، صدمتني الدهشة والصمت وقلت في نفسي ما هذا العنف ضد الطلبة الصغار.
أخذت تلك العصا معي وبعد ذلك ذهبت للصف الثاني، فكان هناك العديد من الطلاب في الصف، عددهم يفوق الستين طالبا وكذلك البعض منهم يفترش الأرض جالسا والبعض الآخر جالس على رحلة لكنها مكسورة من كل جانب، غير الصراخ الذي يملأ المكان حيث لا اهتمام هناك، فكان أول يوما لي متعبا بعض الشيء والطلاب لا يتقبلون معلمة جديدة لا يعرفونها، فماذا تفعل؟ هل سوف تقوم بضربنا وأسئلة كثيرة تدور في عقولهم.
وفي اليوم الثاني لي بدأت أعلمهم بعض الخطوات كي يتعلموا كيف يكونوا وعليهم تحضير الواجب الذي أطلبه منهم، وبدأوا يتجاوبون معي في كل يوم وأصبحت أدرسهم النشيد، بصوتٍ عالٍ يرددوها معي وهكذا اجعلهم يحبون الدرس واعلمهم الاحترام والهدوء في الدرس اذا بدأ.
فكان كل اليوم سعيدا لي لأرى الابتسامة بوجوههم رغم التعب الذي التقي به لكن الأمل الذي أتى لي جعلني فرحة، وهكذا أكملت أيامي في المدرسة، لكن في يوم من الايام وانا في الصف فإذا بالباب يطرق واذا به رجل يقف أمامي، قلت له ماذا تريد؟.
قال: أنا ولي أمر أحد الطلاب الذين تدرسيهم، فقلت نعم، قال ابني ليس جيدا أنا اعرف به فلذلك أتيت إليك أريدك أن تضربيه، كل يوم لا يجيب على سؤالك وبعدها أردف قائلا: انا سأجلب لك بالعصا واذا لم ينفع سأأتي اليك بعصا من حديد ولن ألومك أبدا ولا أتكلم بكلمة واحدة ضدك، فقلت له نحن في مدرسة وليس في سجن كي نعذبه، هنا مدرسة لتعليم الطفل الابداع في دروسه وليكن قويا لمواجهة علمه وليصبح تلميذا مجتهدا في دروسه، فصمت وذهب خارج المدرسة.
كم هو عجيب أمر هذا الأب، أهكذا يكون التعليم؟!
وبعدها أنهيت يومي وعدت في يوم آخر للمدرسة ورن الجرس لدخول الصفوف، وذهبت مثل كل يوم لصفي الذي أقدم فيه الدروس وبدأنا نقرأ ونكتب ونتعلم كل حرف، لنستعيد طموحنا ولنحقق ما نطمح له، وبعد ثوانٍ إذا بمدير المدرسة قد دخل الصف وأخذ يضرب أحد الأولاد في كل مكان من جسده الذي حاكه التراب بملابسه التي يرتديها، فقلت له كفى ذلك. قال لي بصوت عال: أريده ان يتأدب ويتعلم الاحترام. صمتُّ مندهشة لأمره وماذا يقول، أهكذا يكون التعليم عجباً والله؟.
ولكن بعد مرور الأيام تركت تلك المدرسة التي يحيط بها الألم والمأساة والمعاناة العظيمة.
أترى هكذا ننمي الابداع لدى صغارنا؟ وهكذا يكون التعليم والتربية؟ أليس هذا أسمها، أنا لم أرَ مثل هذا!! بل العكس تماماً حيث التهميش والضياع واللعب في العقول الصغيرة التي بحاجة إلى أشخاص يعرفون كيف يعالجون مشاكلهم ويوصلوا لهم العلم بطرق سهلة، ويكون التعامل معهم باللطف والمحبة لكي يرسموا لوحات الأمل والتفاؤل في قلوبهم وأرواحهم.
فلنضع النور في دروبهم ليتعلموا بأن الجهل ظلام والعلم نور والنجاح والتفوق لهم، ولنطور عقولهم لكي يبدعوا أكثر لأن التعلم بالصغر كالنقش على الحجر، فعقولهم تستوعب الاشياء حينما نعلمهم الصحيح لينموا عقولهم وليكن لديهم أبداع مستمر..
في الغرب لديهم طريقة يعملون بها، يسألون الطالب منذ البداية، يقومون بإعطائه ورقة وقلم ليدوّن بها ماذا يحب أن يكون في الكبر، أو عندما يكبر، فبدأ الطلاب يكتبون ماذا يحبوا أن يكون كل واحد منهم، فالبعض كتب؛ مهندس، والآخر طيار، وأيضا الطبيب والمحامي والكثير من المهن التي يحبوها، وبعد سنين تخرجوا من الجامعات وفتحوا ذلك الصندوق، فوجدوا كل ورقة لطالب معين كتبها قبل سنين وحصل عليها وحقق حلمه.
أين نحن منهم؟ لاحظوا كيف نموّا فيهم النجاح منذ الصغر وكذلك اعطوا لهم المساحة الكافية ليبدعوا في كل مجال في الحياة. يا ترى هل يأتي اليوم الذي ننمي به عقول صغارنا ونجعلهم يبدعون في أي مجال يحبوه، أم نعلمهم بالضرب والعنف سواء كانوا بالمدرسة او المنزل؟.
اضافةتعليق
التعليقات