في احد ايام شهر صفر ذهبتُ لزيارة سيدي ومولاي سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
وبينما انا جالسة في الصحن الشريف وبعد اتمام قراءة زيارة عاشوراء وآيات من الذكر الحكيم والدعاء لوالدي ولأخوتي ولسائر المؤمنين والدعاء بأصلاح كل أمر فاسد من أمور المسلمين وبين دعائي وأنين روحي لأليم مصاب سيد الشهداء والارواح الزكية التي سقطت بواقعة الطف وارتجاف جوارحي نزلت دموعي مدرارة لأنني لا املك سواها لمواساة سيدتي ومولاتي (زينب عليها السلام). وبينما كنت منشغلة بعبادتي ودموعي ترأتْ لي امرأة متقدمة في السن تخطو نحوي بخطوات ضعيفة خاوية قواها فأقتربت مني وجلست قبالتي وكنتُ شغلها الشاغل ومدت يدها واعطتني كوبا من الماء
وطلبت مني ان اشربه فشكرتها وبدأت عيناها تطرح الكثير من الاسئلة فبادرتها بالسؤال: هل تعرفينني؟ فأجابتني.. طبعا اعرفكِ..
فأجبتها: لكنني.. لا اعرفكِ؟
قالت: كيف لا تعرفينني ونحن سائرتان في نفس الطريق؟
اجتاحتني الكثير من المشاعر التي بدأت تتقافز بين جوارحي واحسستُ بأنها امرأة ذات قوة وصلابة وبأنها تؤمن بأشياء كثيرة تمنحها كل هذه القوة..
فتبسمتُ وانا أرى في وجهها خطوطا رفيعة خطها الزمن..
_حدثيني عن نفسك.
قالت: اني امرأة قادمة من الجنوب سائرة في طريق الحق.. طريق النور.. طريق التضحية.. طريق الحسين..
في هذه اللحظة نظرت الى قدميها فوجدتهما قد أُدميتا من المسير..
_من اي محافظة أتيتِ..
أجابتني: من مدينة الناصرية.
_وهل هناك من رافقك دربك الى كربلاء؟
اجابتني بصوت حنين: نعم اولادي، علي ومحمد واحمد هم النور الذي أبصر به طريقي الى كربلاء..
_اين هم فإني اراكِ تجلسين وحيدة..
فأشارت الى قلبها: انهم هنا في قلبي .
فسألتها بنبرة مرتجفة: هل غادروا الدنيا؟
فأطرقت رأسها واطالت في صمتها حتى اعتقدت بأنها قد أنهت حديثها.. ومن ثم سألتني: السائرون في درب الحق يرحلون؟ هل رحل (الحسين عليه السلام) حين سار في درب الحق.
اجبتها بالطبع لا.. نحن نعيش بحب الحسين، هذه القلوب التي لاتحصى تنبض بحب الحسين.. فتغيرت تعابير وجهها وبدأت تعلو وجهها سعادة غامرة.
اذن... علي وأحمد ومحمد لم يرحلوا.. دفنتهم هنا في أرض كربلاء بعدما سالت دمائهم الزكية تضحية ودفاعا عن مقدسات هذه الأرض والوقوف بوجة جماعات داعش التكفيرية، لم ابخل بهم ولم اندم على رحيلهم، واواسي قلبي الكهل بقرب اللقاء واليوم وصلت مرقد سيدي ومولاي الحسين واخيه العباس (عليهما السلام) لرفع أكُفي.. طالبة من الله العلي القدير أن يتقبل قرباني ويحشرهم مع الشهداء والصديقين ونكون على طريق أنصار الحسين وأولاد الحسين (عليهم السلام).. وانشدتْ بصوت جنوبي حنين: (غير حسين ما عدنا وسيلة)..
صوت مؤمنة صابرة تواسي نفسها بزيارة أبي الأحرار روحي له الفداء.
فتعلقت روحي بهذه العجوز الجنوبية لما تحمل روحها من شموخ واصالة، وطلبتُ منها ان استضيفها في منزلنا للراحة وبأنه قريب، فرفضت وشكرتني وامسكت يدي ممتنة وقالت: لا ابرح مكاني هذا فأنا مازلت ظمآنة لزيارة الحسين (عليه السلام)..
وقالت: اذكريني كلما اتيتِ لزيارة مولانا وامامنا (أبي عبد الله) (عليه السلام) فقد تكون هذه زيارتي الاخيرة، اذهبي بنيتي في حفظ الله..
ودعتها لكن قلبي لم يبتعد عنها كثيرا ولهج قلبي بالدعاء: اللهم ارحم شهداءنا وانزل السكينة والصبر في قلوب امهاتنا وارحم شيبة ابائنا.. وارحمها وارجعها الى ديارها بأمن وامان منك يا أرحم الراحمين.
اضافةتعليق
التعليقات