تتميّز رسالة نبينا الخاتم (صلى الله عليه وآله) بلونٍ يوحّد القلوب ويجمعها بـ(الأخلاق)، بعد أن كانت الخشونة هي اللون السائد في الجاهلية آنذاك. ولهذا قال المصطفى (صلى الله عليه وآله):
"إنما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق" (1).
فالْأُمم باقية ما بقيت أخلاقها، فالأخلاق بحرٌ مترامي الأطراف. وهنا سنتحدث عن قطرةٍ منه، وهي القاعدة العلوية الذهبية: "أحبب لأخيك ما تحب لنفسك".
ويندرج تحت هذا الأصل فروعٌ شتى، منها ما نحتاجه في وقتنا الحاضر، بعد أن أصبح عصرُنا إلكترونيًّا، وهو: "التزاور في الله".
وهنا نُركّز بشدة على غاية التزاور، وهي أن تكون في الله عزّ وجل، بمعنى: أن يزوره حبًّا وقربةً لله تعالى.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه، كُتِب من زوّار الله، وكان حقيقًا على الله أن يُكرِم زائره" (2).
وعن مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام):
"ليس شيءٌ أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض" (3).
فحينما تكون الزيارة خالصةً لله، فإن الزائر لا يمنّ ولا يندم، حتى لو كان الزائر قد قاطع المزور سابقًا.
أما زيارته بقصد عيادته إذا كان مريضًا، فله أجر خاص وأعظم؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"من عاد مريضًا نادى منادٍ من السماء باسمه: يا فلان، طِبتَ وطاب ممشاك، تبوأت من الجنة منزلاً" (4).
أو بنية تعزيته، أو إصلاح ذات البين، وغيرها من النوايا الحسنة التي تُنبت بزيارته بذورَ المودة والمحبة، وتُقوّي أواصر المجتمع.
لكن، ما نشاهده اليوم من انعزال، وقطيعة رحم، وغيرها، ما هي إلا وسائل تخديرية وضعها إبليس – لعنه الله – في طريق المؤمنين، حتى أصبح البعض – وللأسف – لا يعرف جاره، ولا يعلم احتياجاته.
بل إن بعض الأفراد – وهو ما نريد أن نصل إليه – أصبحت الزيارة عندهم (تجارة)، وكيف ذلك؟
فلانٌ من الناس، كأن يكون جارًا أو أخًا أو صديقًا، لا أزوره حتى يزورني!
وتصل أحيانًا إلى مرحلة المعاتبة أو الاختلاف:
"لقد عدته في مناسبةٍ معينة، لماذا لم يعُدني؟!"
وهذا الاشتراط يهزّ من أساس النية الحسنة، ولا يندرج تحت أصل "أحبّ لنفسك ما تحب لغيرك".
نعم؛ التزاور بين الطرفين مهم، ويُستحسن بالمَزور أن يردّ الزيارة في مناسبةٍ ما، أو بدافع الود والمحبة، ولكن ينبغي للزائر ألا يخضع لوساوس الشيطان التي تزرع الشوك في جسور المودة، من قبيل: "كرامتي لا تسمح لي"، و"لماذا أبدأ أنا؟"، وغير ذلك...
بل جاءت شريعتنا الإسلامية لتفنّد هذه النظريات الواهية.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"الزائرُ أخاه المسلم أعظم أجرًا من المزور" (5).
وقال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):
"إذا وثقتَ بمودة أخيك، فلا تُبالِ متى لقيته، لقيك" (6).
وقال أحد الحكماء يومًا:
"الخير يحتاج إلى من يبدأ به"،
وهذا ما أشار إليه باب مدينة العلم، الإمام علي (عليه السلام):
"فاعل الخير خيرٌ منه، وفاعل الشر شرٌّ منه"،
لأن الخير والشر ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرة، وإنما هما: فعلان، أو فعل وعدم فعل، أو عدمان، فلو قُطع النظر عن الذات الحيّة القادرة التي يصدران عنها، لما انتفع أحد بهما، ولا استُضرّ، فالنفع والضرر إنما حصلا من الحيّ الموصوف بهما، لا منهما على انفرادهما (7).
فيا أيّها الإنسان: اكسر قيود الوهم والشيطان، وابنِ جسور الود ورضا الرحمن، تسلك بذلك طريق الجِنان...
اضافةتعليق
التعليقات