لكرة القدم تاريخ طويل، وقد ظهرت بشكلها الحالي في إنكلترا أواسط القرن التاسع عشر.
عرفت اليونان القديمة نوعًا آخر من ألعاب الكرات، فقد صُنعَت الكرة من نتف وخرق جلدية ومُلئَت بالشعر (أول الوثائق عن كرة مملوءة بالهواء تعود إلى القرن السابع). لم تحظَ ألعاب الكرة بمكانة رفيعة ولم تدخل في الألعاب الإغريقية. في روما القديمة لم تشتمل التسالي المقامة على الحلبات ألعاب الكرات، لكن هذه الألعاب ظهرت في تمارين الجيش تحت اسم (Harpastum) كانت الحضارة الرومانية هي من نقلت كرة القدم إلى الجزيرة البريطانية، لكن من غير المؤكد مدى تأثر الناس بهذا الإصدار ولأي درجة قد طوروا إصدارهم أو بديلهم الخاص.
إن أولى الأمثلة المعروفة عن لعبة تتضمن فريقًا وكرة مصنوعة من الصخر قد ظهرت في حضارات أمريكا الوسطى القديمة منذ أكثر من 3000 عام، وقد كانت إحدى تلك الحضارات الأزتك التي أطلقت عليها اسم (Tchatal) رغم انتشار إصدارات متنوعة من اللعبة في مناطق واسعة.
في بعض المناسبات أو المهرجانات الشعائرية رمزت الكرة إلى الشمس وجرت التضحية بقائد الفريق الخاسر إلى الآلهة. ظهرت سمة فريدة في إصدارات لعبة الكرة لدى حضارات أمريكا الوسطى القديمة تمثلت في كرة نطاطة مصنوعة من المطاط، إذ لم تستخدم أية حضارة غيرها المطاط.
ظهرت أول لعبة كرة معروفة تضمنت الركل في الصين في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد تحت اسم كوجو، ولعب اللاعبون هذا النوع بكرة دائرية من الجلد المخيط داخله فراء أو أرياش في ميدان مربع الشكل.
انتشر شكل معدل من هذه اللعبة لاحقًا إلى اليابان وحمل اسم كيماري، وزاولها اللاعبون بموجب قوالب احتفالية وشعائرية.
قد تكون الكوجو الأقدم هي مارن غوك التي لعبها سكان أستراليا الأصليون، ووفقًا لمهاجرين بيض عام 1800 كانت هناك لعبة كرة قائمة على الركل أساسًا، صُنعت الكرة من الأوراق والجذور، قواعد اللعبة غير معروفة، ولكن إبقاء الكرة في الهواء كان ربما أبرز سمة.
ظهرت أندية كرة القدم منذ القرن الخامس عشر لكنها لم تكن منظمة ولم تحمل صفة رسمية. لهذا السبب من الصعب تحديد أول نادي كرة قدم. يشير بعض المؤرخين إلى أن أقدم نادي هو نادي فوت بول المؤَسس عام 1824 في أدنبرة. في أغلب الأحيان أسس طلاب مدارس سابقون النوادي القديمة وتشكل أول نادي من هذا النوع في شيفيلد عام 1855. أما أقدم الأندية الاحترافية فهو نادي نوتس كاونتي الإنكليزي الذي تأسس عام 1862 وما يزال حتى يومنا هذا.
مثَّل التصنيع خطوة مهمة في ظهور الفرق؛ إذ قاد إلى التقاء مجموعات كبيرة من الناس في المصانع والحانات والكنائس. تأسست فرق كرة القدم في المدن الكبيرة وقد أمكن أن تنتقل هذه الفرق إلى مدن أخرى عبر السكك الحديدية الجديدة.
تروي القصة الأكثر قبولًا أن اللعبة تطورت في إنكلترا في القرن الثاني عشر. في ذلك القرن لعب الناس في إنكلترا الألعاب المشابهة لكرة القدم في المروج والطرق. إلى جانب الركلات تضمنت اللعبة ضرب الكرة بقبضة اليد. كان الشكل القديم من كرة القدم أكثر قسوة وعنفًا من أسلوب اللعب المعاصر.
من سمات الأنواع الباكرة من كرة القدم اشتمال الألعاب على الكثير من اللاعبين وجرت في مناطق كثيرة في البلدات. أحدثت حالة الهيجان والثوران المرافقة لهذه الألعاب أضرارًا في البلدات وأحيانًا أدت إلى وفاة المشاركين.
كانت هذه الوقائع من بين أسباب أخرى أدت إلى ظهور نداءات وتصريحات مناهضة للعبة سببت في النهاية منعها لعدة قرون.
لكن الألعاب المشابهة لكرة القدم عادت إلى شوارع لندن في القرن السابع عشر لتُحظر ثانية عام 1835. لكن عند هذه المرحلة كانت اللعبة قد أُنشئَت في المدارس العامة.
تطلب الأمر زمنًا طويلًا حتى طُبّقت كرة القدم بصفاتها وشكلها في يومنا هذا، ولوقت طويل لم يوجد ما يميز كرة القدم عن الرجبي أو يبين الفرق بينهما، كان هناك أيضًا الكثير من الاختلافات بخصوص حجم الكرة وعدد اللاعبين وطول المباراة.
غالبًا ما لُعبَت اللعبة في المدارس وكان هناك مدرستان هيمنتا على اللعبة وهما الرجبي وإيتون.
في مدرسة الرجبي اشتملت القواعد على إمكانية لقط الكرة والاستحواذ عليها باليد، ويعود أصل اللعبة التي نعرفها بالرجبي في وقتنا الحالي إلى هذه المدرسة. أما في مدرسة إيتون، فقد لُعبَت الكرة فقط بالقدم ونرى أن هذا الأسلوب هو أقرب نموذج باكر إلى كرة القدم المعاصرة.
أطلقت مدرسة الرجبي على اللعبة اسم (لعبة الجري)، في حين أطلقت مدرسة إيتون عليها اسم (لعبة المراوغة).
عُقِد اجتماع في كامبريدج بهدف إجراء محاولات لوضع قواعد ملائمة للعبة عام 1848، لكنه لم يصل إلى حل نهائي لجميع الأسئلة حول القواعد، وقع حدث مهم آخر في تاريخ كرة القدم عام 1863 في لندن عندما تشكل أول اتحاد لكرة القدم في إنكلترا.
تقرر أن حمل الكرة باليد ليس مسموحًا وتمخض عن الاجتماع أيضًا توحيد حجم الكرة ووزنها وكان من نتائج اجتماع لندن تقسيم اللعبة ضمن نظامين: اتحاد كرة القدم والرجبي.
وتابعت اللعبة تطورها فترة طويلة بعد ذلك ولم يكن تطبيق القواعد صارمًا جدًا بل مرنًا، إذ قد يختلف عدد اللاعبين على أرض الملعب ولم يُستخدم اللباس الموحد للتمييز بين الفريقين وكان ارتداء القبعات شائعًا بين اللاعبين.
بوسعنا ملاحظة اختلاف آخر في هذه المرحلة بين الفرق الإنكليزية والاسكتلندية، فبينما فضلت الفرق الإنكليزية الجري للأمام بالكرة في أسلوب يشابه الرجبي، اختار الاسكتلنديون تمرير الكرة بين لاعبيهم. وسرعان ما هيمنت الطريقة الاسكتلندية على أسلوب اللعب.
في البداية كانت اللعبة تسلية للطبقة البريطانية العالمة فقط، وتطور ذلك ليشاهد عدد هائل وغير مسبوق من المشاهدين يقارب 30 ألف مشاهد المباريات الكبيرة أواخر القرن التاسع عشر، وتوسعت بعد فترة قصيرة البريطانيين الذين سافروا إلى أجزاء أخرى من العالم، خاصة في أمريكا الجنوبية والهند حيث وصل الاهتمام والولع بكرة القدم إلى أشده.
في البداية سيطرت فرق المدارس الحكومية على كرة القدم، لكن لاحقًا تشكلت الفرق المتألفة من العمال أغلبية فرق كرة القدم. في تغير أطلق نقلة جديدة تتابعت وتمثلت في رغبة بعض النوادي في دفع الأموال لأفضل اللاعبين للانضمام إليها. ما شكل بداية عصر انتقالي جديد لا يخلو من الخلافات لتتطور فيه اللعبة وتبلغ مستوى احترافيًا.
لم يكن الدافع وراء دفع الأموال للاعبين الفوز بالمباريات فقط. في ثمانينات القرن الثامن عشر وصل الاهتمام باللعبة إلى مستوى بيعت فيه التذاكر لحضور المباريات وأخيرًا عام 1885 أصبحت لعبة كرة القدم قانونية وتأسس دوري كرة القدم بعد ذلك بثلاثة أعوام. خلال الموسم الأول انضم 12 ناديًا للدوري لكن سرعان ما اهتمت أندية كثيرة وتوسعت المنافسة إثر ذلك.
هيمنت الفرق البريطانية على لعبة كرة القدم وقتًا طويلًا، بعد عدة عقود تنافست نوادي براغ وبودابيست وسيينا وزاحمت الفرق البريطانية على الهيمنة على كرة القدم.
لم يرحم التاريخ النساء أيضًا في مجال كرة القدم شأنهن في ذلك شان الكثير من المجالات التي استقصين منها إذ استُبعدَن من المشاركة في الألعاب وقتًا طويلًا، في نهاية القرن التاسع عشر بدأت النساء بلعب كرة القدم وأُقيمت أول مباراة رسمية لهن في إنفيرينس عام 1888.
غدا كأس التحدي لاتحاد كرة القدم (كأس الاتحاد الإنجليزي) أول مسابقة مهمة أُقيمت في عام 1871. في العام التالي لعب فريقان وطنيان مباراة لأول مرة ضمت إنجلترا واسكتلندا وانتهت بنتيجة 0-0 وتابعها 4000 شخص في هاميلتون كريسنت.
في عام 1883 أُقيمت أول بطولة دولية وضمت أربعة منتخبات وطنية: إنجلترا وإيرلندا واسكتلندا وويلز.
ظلت كرة القدم فترة طويلة ظاهرة بريطانية، لكنها انتشرت تدريجيًا إلى دول أوروبية أخرى. جرت أول لعبة خارج أوروبا في الأرجنتين عام 1867، لكن العمال البريطانيين الأجانب هم من شارك فيها لا المواطنين الأرجنتينيين.
تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) عام 1904 ووقّع على قانون التأسيس ممثلون من فرنسا وبلجيكا والدنمارك والأراضي المنخفضة (هولندا سابقًا) وإسبانيا والسويد وسويسرا. لم تنضم إنجلترا والدول البريطانية الأخرى إلى FIFA منذ البداية، فقد اخترعوا اللعبة ولم يروا سببًا للخضوع لاتحاد. لكنهم انضموا في العام التالي دون المشاركة في كأس العالم حتى عام 1950. أقيمت البطولات المحلية في الكثير من البلدان، الأول هو دوري كرة القدم الإنجليزي الذي تأسس في عام 1888. وبمرور الوقت انضمت فرق أخرى إلى الدوري استندت إلى أداء الفريق.
في عام 1908 أُدرجَت كرة القدم لأول مرة رياضة رسمية في الألعاب الأولمبية. وحتى إقامة كأس العالم FIFA لأول مرة في عام 1930، كانت بطولة كرة القدم للألعاب الأولمبية هي الأكثر شهرة على المستوى الوطني، ولم يحدث إضافة كرة القدم النسائية حتى عام 1996.
اضافةتعليق
التعليقات