عندما تموت أحلامك وتندثر آمالك، طموحاتك، سرعان ما تتحول الى شخص بائس وسرعان ماينتشر بؤسك كالغاز السام، ليقتل كل من حولك، الآن وأنا أكتب هذه االسطور يحادثني ضميري قائلاً: ماكان ذنبها كي اعاملها بتلك الطريقة.. تنظر إلي بعينين يملؤها اللطف وانظر إليها بعينين يملؤها الحقد... كلما تراني حزينة تجلس أمامي وتبتسم لي ابتسامتها البريئة، أصيح في وجهها: اغربي عن وجهي و اخرجي حالاً، واحياناً عندما أقف في المطبخ أغسل الأواني تأتي من خلفي كنسمة ربيع سريعة وتعانقني من الخلف أشعر بدفئها وارميها بعيداً عني قبل أن يصلها برود ظهري؛ أجل اصبحتُ باردة كالجليد وكلُ يوم أُحس بذلك الصقيع يتغلغل بداخلي شيئاً فشيئاً أبعدها عني كي لا تُصاب بالعدوى، وتُصبح شخص بارد مثلي.. حي من الخارج وميت من الداخل.
هكذا تعاملتُ مع اختي الصغيرة التي لم تُرد سوى ان ترى الابتسامة على وجهي، حاولتْ جاهدة الاقتراب مني، ولكن يا عزيزتي أشباه الأحياء (الزومبي) لا يبتسمون، وهكذا كلما حاولت الاقتراب مني كلما زدتُ شراسة وقسوة في محاولة ابعادها عني، وفي يومٍ اقتربت مني وطلبت مساعدتي لحل واجباتها المدرسية، في البداية نظرت إليها نظرة باردة وبقيت أحدق في وجهها ثم أدركت مدى حاجتها وكم كانت يائسة لدرجة القدوم إلي وطلب مساعدتي، أخذتُ منها الكتاب بقوة وصرخت فيها: اجلسي وافتحي الدفتر ودوني ما سأخبرك به من ملاحظات، هكذا مرت العشر دقائق الأولى ثم دون أن أدرك أخذنا نحل الواجبات ونحن نضحك بجنون وقد مضت ساعتان دون أن ندرك، قضينا وقتاً ممتعا بعدها نظرت إلي وابتسمت: أجل لقد عُدتِّ لشخصيتك القديمة، احتضنتني وقالت: هذه هي اختي التي أعرفها... بسرعة رميتها بعيداً عني واخبرتها أن تأخذ كتبها وتخرج.
هكذا تقريباً عاملتها طيلة حياتي لم أكن اعرف انها ستتصرف هكذا في يومها، لو علمت ما كنت تصرفت هكذا معها، لقد كان يوم كئيب ومظلم غطت السحب السوداء السماء وانسحبت الشمس خلفها كأنه ليلاً وليس نهاراً، كان الجليد قد تغلل في أعماق جسدي ويتجه نحو قلبي أحسست ببرودة شديدة لدرجة لم أعد أتحملها، أخذ قلبي يؤلمني بشدة، وأخذت نبضات قلبي تتباطأ شيئاً فشيئاً ولم أستطع التنفس أحسست بالاختناق، بدون أن أشعر اتجهت نحو السطح كأني مُنومة كأني خاضعة لشيء يفوق قدرتي، أحسست كأني دمية متحركة تُحرَّك من بعيد، اقتربتُ من حافة سطح المنزل وصعدت عليها، أخذت أختنق أكثر فأكثر كأن الأوكسجين قد نفذ، ثم شعرتُ بالدوار نظرتُ للسماء وانا أترنح على الحافة، أخذ الظلام يزداد شعرتُ بضعفٍ شديد انزلقتْ قدمي، وبينما أنا أتجه نحو الاسفل وأرى نهايتي مُدت يد نحوي بسرعة خاطفة سحبتني نحو الأرض وسقطت مكاني، فجأة تبدد الظلام ونظرت نحو الاسفل لأرى أختي الصغيرة مُمددة على الارض غارقة بالدماء، صرختُ بأعلى صوتي وبعدها فقدت الوعي وعندما استيقظت كان الجميع في المشفى يبكي، لم أعرف ماذا افعل، تجمدتُ في مكاني كل ما فكرت به انه لو ماتت اختي سيكون بسببي وساعتها حتى الموت لن يكون رحيماً بحقي حتى لو قطعوني لأشلاء لن يكون كافياً بحقي.
بعدها تذكرت كل الصرخات التي صرختها في وجهها، الأشياء التي رميتها نحوها، نوبات غضبي ونظرات حقدي لم تكن تستحق كل هذا مني، ماذا فعلت لكي أعاملها بتلك الطريقة فجأة انهارت الدموع بغزارة على وجهي لدرجة أحسستُ بها تغسل كامل جسدي لقد كانت حارة وحارقة لدرجة احسست بأنها اذابت كل الجليد الذي بداخلي.
وأخذت أصلي كي تشفى، بقيتُ اطلب من الله أن يأخذ حياتي بدلاً منها... بقينا عدة ايام في المشفى الى أن عبرت مرحلة الخطر، أُجريَّ لها عدة عمليات، كان وضعها صعبا ولكنها نجت بأعجوبة، دخلت الغرفة أمشي نحوها ببطء، لأن قدمي لم تحملني، كانت ملفوفة كالمومياء من رأسها الى أخمص قدميها، لم يظهر منها سوى عينيها... نظراتها كانت كأنها تطلب مني الاقتراب أمسكت بيديها وأنا أشعر بالذنب، فجأة سقطت الدموع من عيني ولكن عينيها كانت تملؤها الابتسامة اقسمت من لحظتها أن أتغير ليس من أجل نفسي بل من أجلها لقد كنت مخطئة بإبعادها عني..
أمضيت كل اليوم معها في المشفى اقرأ لها قصصها المفضلة وتتعالى أصوات ضحكاتنا، لتملأ ممرات المشفى الباردة، لقد كنت محظوظة بنجاتها، هي لم تكن اختي فقط بل كانت طوق نجاتي أدركتُ بعدها إن ابعادي لها لم يكن يحميها بل يجعلها شخصاً بائساً آخر وعندما تكبر ستصبح نسخة اخرى باردة مثلي، ولكنها علمتني ان الحب والحنان دافئ وحار لدرجة يذوب معه الجليد قبل ان يتغلغل الى القلب...
ربما كانت هذه قصة خيالية ولكنها قريبة للواقع، ماذنب أحبتنا بالبؤس الذي نعيشه، الحزن والألم والواقع المرير مهما كان ما تعاني منه، لا تجعله يؤثر على احبتك، عاملهم بلطف ومحبة واحبهم بكل ما استطعت قبل فوات الاوان، فنحن نحيا مرة واحدة فلنحيا بحب وسعادة مع احبتنا.
اضافةتعليق
التعليقات