تسارعت نبضات قلبي بشكل مفرط، شعرت بأنه سيخرج من مكانه لو لم أتوقف حالا، حاولت أن أستعيد أنفاسي وأشرب رشفة من الماء قبل أن أتجه إلى التمرين الآخر، فالحفاظ على الصحة يحتاج إلى العناء والجهد، بينما كنت أخطو نحو جهاز الركض شاهدت فتاةً وهي تتجه نحوي بوجه مبتسم وروح فرحة.
فطوم، انها الفتاة الجميلة التي شاركتني رحلتي الدراسية في الثانوية، كم تغيرت الان، القت عليّ التحية وبادرت بالكلام، ولولا ملامحها الطفولية التي تترك اثرا بالغا في ذاكرة من يقابلها لما عرفتها الان!
لقد ازدادت وزنا، في الماضي كانت في غاية الرشاقة، ولكن الان هي عبارة عن برميل متحرك، لم أستطع مشاهدة رقبتها بوضوح، فالسمنة اخفت الكثير من ملامحها الجميلة. حاولت ان أضيع نظري عن جسدها كي لا تشعر بالحرج مني، " فحق الصاحب فإن تصحبه بالفضل ما وجدت اليه سبيلا".*
نظرت اليّ وعلى محياها نصف ابتسامة وكأنها تحاول أن تبرر هذا التغير الذي طرأ عليها، فقالت:
إنه يومي الأول في هذا النادي، فقد أرهقني زيادة وزني والامراض التي باتت تلاحقني بسبب السمنة المفرطة، كما إني اشتقت لفطوم الرشيقة.
قلت لها:
إنها خطوة رائعة منكِ، ستحتاجين القليل من الإرادة والالتزام وستعودين كما كنتِ وأفضل من فطوم القديمة بإذن الله.
شعرت بالارتياح تجاه كلامي، وحاولت ان أشرح لها عن طبيعة التدريب في هذا النادي.
لقد استغربت من هندامها الفظيع، وانا اشرح لها عن تفاصيل النادي قالت بين طيات كلامها بأن ارتيادها للكثير من المطاعم والعزائم التي لا نهاية لها هي التي سببت لها هذه السمنة، فقد كانت تأكل بشراهة دون التفكير بالعواقب.
ولم تحسب أي حسابا لما سيحصل لصحتها وهندامها، اذ لم تستطع ان تقاوم شهيتها المفرطة وقابلت كل صحن من الحلوى الذي يقدم نحوها بالقبول التام حتى اخر قطعة منه.
وهذا بالفعل هو حال الكثير الذين لا يبالون بصحتهم ويتناولون الكثير من الأطعمة المشبعة بالزيوت غير الصحية بشكل يومي ومستمر.
ولا يبالون بالعواقب التي ستلحق بهم ونسوا بأن للجسد حق على الانسان مثله مثل الكثير من الحقوق التي غفلنا عنها.
فلو عدنا الى الدين لوجدناه دقيقا لدرجة لا تصدق، إذ أنه يبين التفاصيل الصغيرة لحياة الانسان وكيف يمكن ان يقود الانسان نفسه حتى يحافظ على صحة روحه وجسده في أصغر الامور وأهمها الا وهي المأكل والمشرب والتي من خلالها يصنع الانسان لنفسه أسلوبا للحياة.
اذ يقول الامام السجاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق:
أَمَّا حَقُّ بَطْنِكَ فَأَنْ لا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيل مِنَ الْحَرَامِ وَلا لِكَثِير، وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلالِ وَلا تُخرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إلَى حَدِّ التَّهْوِين وَذَهَاب الْمُرُوَّةِ، وَضَبْطُهُ إذَا هَمَّ بالْجُوعِ والظمأ فَإنَّ الشَّبْعَ الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلَى التُّخمِ مَكْسَلَةٌ وَمَثْبَطَةٌ وَمَقْطَعَةٌ عَنْ كُلِّ برِّ وَكَرَم.
فإن كلام الامام واضح وصريح وهو يبين لنا حق البطن علينا وأننا مسؤولون أمام الله فيما نأكل ونشرب، وأن اهمالنا تجاه طريقة أكلنا سيسبب لنا عواقب وخيمة ندفع ثمنها عن طريق صحتنا وعافيتنا التي هي رزق عظيم من عند الله ولا نعرف قيمتها الاّ بعد أن نفقدها.
فأنا أعرف جيدا بأن فطوم لم تراعي حق جسدها عليها وتهاونت كثيرا في ذلك وسارت خلف اهوائها وشهيتها المفرطة دون التفكير في صحتها التي ستنسحق تحت عجلة الدهون والسكريات.
ولا الومها على ذلك فمن الصعب جدا ان يقاوم الانسان قطعة كبيرة من الكيك التي يقيض الكاكاو من كل جانب منها، وكأس عملاق من (الهوت جوكلت) المليء بالسكر والمارشملو.
الأمر يحتاج الى مقاومة وعزيمة، كما أني أنظر دائما الى النصف الممتلئ من الكأس اذ انها لم ترض بوضعها بل استطاعت ان تواجه الحقيقة وتقف بحزم امام نفسها، وان شاء الله بإرادتها القوية وعزيمتها على استعادة صحتها وبالتدريب المستمر وتوكلها على الله، ستتمكن من هزيمة السمنة وستعود صحتها مزدهرة كما كانت.
اذ يقول أحد المشايخ: إنَّ العزم هو جوهر الإنسانية ومعيار ميزة الإنسان، وأن اختلاف درجات الإنسان باختلاف درجات عزمه.
* حق الصاحب من رسالة الحقوق للامام السجاد عليه السلام
اضافةتعليق
التعليقات