عظمته لا تخفى على أحد، العيون كانت تراقب قدومه بدقة والرهبان كانوا في استعداد تام ليعرفوه بسهولة لكثرة الأنباء الواردة في كتبهم والأخبار المتواترة عنه، كان أمره واضحا كوضوح الشمس في وسط النهار، لا يمكن لأحد أن يثير الشبهات حول شخصيته العظيمة وصدقه وأمانته.
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِين ).
ويؤكد لنا الله سبحانه وتعالى بأن النبي صلى الله عليه وآله، شاهد ومبشر ونذير في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾.
كان مصدر النور في جميع سكناته وبُعث رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات والنكبات فقد ورد في القرآن الكريم:
﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور﴾ بين ربنا عظمة النبي صلى الله عليه وآله وأنه يخرج الناس من الظلمات إلى النور ويأخذ بأيديهم نحو الجنة، وقال عنه أمير الكلام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: بعثه بالنور المضيء والبرهان الجلي والمنهاج البادي والكتاب الهادي أسرته خير أسرة وشجرته خير شجرة أغصانها معتدلة وثمارها متهدلة مولده بمكة وهجرته بطيبة علا بها ذكره وامتد بها صوته أرسله بحجة كافية وموعظة شافية ودعوة متلاقية أظهر به الشرايع المجهولة وقمع به البدع المدخولة وبين به الأحكام المفضولة فمن يبتغ غير الإسلام دينا تتحقق شقوته وتنفصم عروته وتعظم كبوته ويكن ما به إلى الحزن الطويل والعذاب الوبيل.
فقد أكد ربنا والنصوص الشريفة أن الابتعاد عن النبي صلى الله عليه وآله يعني الدخول في الظلمات والتيه فمن تمسك به نجا ونلاحظ تطور الأمة وازدهارها في زمن النبي صلى الله عليه وآله ولكن هذا النبي العظيم في كل لحظة كان يذكر الناس بعظمة عضده ويؤكد عليهم ضرورة التمسك به.
لذا نجد في الأيام الخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله هناك زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام، كما ورد في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام يوم المبعث :
اللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَصَلِّ عَلى عَبْدِكَ وَاَمينِكَ الْاَوْفى، وَعُرْوَتِكَ الْوُثْقى، وَيَدِكَ الْعُلْيا، وَكَلِمَتُكَ الْحُسْنى، وَحُجَّتِكَ عَلَى الْوَرى، وَصِدِّيْقِكَ الْاَكْبَرِ سَيّدِ الْاَوْصِياءِ، وَرُكْنِ الْاَوْلِياءِ، وَعِمادِ الْاَصْفِياءِ، اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، وَيَعْسُوبِ الْمُتَّقينَ، وَقُدْوَةِ الصِّدّيقينَ، وَاِمامِ الصّالِحينَ، الْمَعْصُومِ مِنَ الزَّلَلِ، وَالْمَفْطُومِ مِنَ الْخَلَلِ، وَالْمُهَذَّبِ مِنَ الْعَيْبِ، وَالْمُطَهَّرِ مِنَ الرَّيْبِ، اَخي نَبِيِّكَ وَوَصِيِّ رَسُولِكَ، وَالْبائِتِ عَلى فِراشِهِ، وَالْمُواسي لَهُ بِنَفْسِهِ، وَكاشِفِ الْكَرْبِ عَنْ وَجْهِهِ، الَّذي جَعَلْتَهُ سَيْفاً لِنُبُوَّتِهِ، وَمُعْجِزاً لِرِسالَتِهِ، وَدِلالَةً واضِحَةً لِحُجَّتِهِ، وَحامِلاً لِرايَتِهِ، وَوِقايَةً لِمُهْجَتِهِ، وَهادِياً لِاُمَّتِهِ، وَيَداً لِبَأسِهِ، وَتاجاً لِرَأسِهِ.
كلمات تهز الكيان ونذهل عندها ونقف كثيرا، ماهذا الجلال ماهذا الكمال ياسيدي.. قد يتساءل البعض لماذا نزور الأمير عليه السلام في يوم المبعث؟ هو يوم يخص الرسول صلى الله عليه وآله لماذا من الأعمال المؤكدة المستحبة في يوم المبعث زيارة الأمير عليه السلام؟؟
لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والامام علي عليه السلام نفس واحدة بنص القرآن
(وأنفسنا وانفسكم) حتى عند زيارة أمير المؤمنين نُسلم على رسول الله فعندما نزور أمير المؤمنين عليه السلام نكون كمن زار الرسول وإذا زرنا الرسول صلى الله عليه وآله نكون كمن زار الأمير هكذا يبينون الأئمة عليهم السلام وكما عبر الله عنهم في قرآنه.
ليس من العجيب بأن تكون زيارة أمير المؤمنين علي عليه السلام من المستحبات لكمال الاتصال بينهما ولشدة الإتحاد والترابط بينهما (أنا وأنت ياعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى).
فقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام: أن رجلا من الأعراب أتى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال إن داري بعيدة عن دارك وأشتاق لزيارتك ورؤيتك وأقدم عليك فلا تتيسر لي رؤيتك فأزور علي ابن أبي طالب فيؤنسني بحديثه ومواعظه فأرجع مغتما لما آيست من زيارتك فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: من زار علي فقد زارني ومن أحبه فقد أحبني ومن عاداه فقد عاداني بلغ عني قومك هذا من أتاه زائرا فأنا مُجزيه يوم القيامة وجبرائيل وصالح المؤمنين*.١
اَنْـــــتَ بَعْـــــدَ النَّبِيِّ خَيْــرُ الْبَرايا وَالسَّما خَيْـــــرُ مـا بِها قَمَراهـا
لَكَ ذاتٌ كَـــــذاتِهِ حَيْـــــثُ لَــــوْلا اَنَّها مِثْلُهـــــا لَمـــــا آخـــــاهــ
فقد بُعث النبي صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين وجعل ربنا مصداق حبه حب علي بن أبي طالب عليه السلام، وجعل معيار قبول الرسالة تعريف الولاية عندما أمر رسوله الكريم: (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).
فنور الرسالة والامامة واحد يخرج الناس من الظلمات إلى النور (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) .
اضافةتعليق
التعليقات