تتعالى الصيحات الخادعة من هنا وهناك يوما بعد يوم وهي تدعو إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، ودعوة المرأة المسلمة لتأخذ حظها من الحياة كما أخذت به المرأة الغربية، وتقليدها ومحاكاتها في كل شيء، بدءاً من الخروج على الدين، ونبذ الحجاب والتزام السور، ومخالطة الرجال والأجانب، و انتهاءً باخر صرعات الموضة، وانتخاب ملكات الجمال، والغور في شبكة الفساد وغيرها.
وفي الحقيقة لم تكن هذه الصيحات والدعوات إشفاقاً على المرأة وتحريراً لها من العبودية_كما يزعمون_ بقدر ماهي دعوة للفساد والإفساد، فهي دعوة للإنحلال الخلقي والخروج على الأسرة والعائلة، كماهي دعوة لإفساد المجتمعات وعلى الخصوص المجتمع المسلم، فيراد من المرأة أن تكون سلعة رخيصة وألعوبة بيد الشياطين، يلهون بها ويقضون معها شهواتهم ورغباتهم، ثم يرمونها بعيداً بعد ما تخسر كل شيء.
ونحن اذا نظرنا الى المجتمع الغربي اليوم، وما فيه من إباحية تهدد المجتمع والأسرة معا، نراه مجتمعاً معقدا مليئا بالكآبة والحزن وبكل صور الإباحية والخلاعة، وأن ضحايا الاختلاط والحرية يملأون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية، بلإضافة الى عصابات الإجرام والمخدرات والمتاجرة بالرقيق الابيض وغيرها.
فقد ادى هذا الأمر من الإباحية والمجون إلى زلزلة القيم والاخلاق، وتفكك الأسر. فالفتاة هنالك تلعب وتلهو، تعاشر من تشاء تحت سمع عائلتها وبصرها، بل وتتحدى والديها ومدرسيها والمشرفين عليها، تتحداهم بإسم الحرية والأختلاط، تتحداهم بإسم اباحية والإنطلاق، وتتزوج في دقائق، وتطلق بعد دقائق، تتصرف كما يحلو لها من دون النظر في العواقب والأمور.
وبالرغم من إدعاء الغرب بأنه قد اعطى المرأة حقوقها كاملة، لكن الواقع يظهر خلاف ذلك، اذ ما زالت المرأة تقف خلف الرجل في كافة الميادين، وقد اظهرت الإحصائيات أن المرأة البلجيكية تحصل على أجر أقل مما يتقاضاه الرجل عقب حصولها على الشهادات والتحاقها بالوظائف المختلفة، وتذكر أن نسبة أجر المرأة البلجيكية تصل الى ما يعادل 89% من قيمة ما يتقاضاه الرجل.
وأما باقي دول الإتحاد الأوروبي، فإن المرأة تحصل على نسبة أقل حيث يحصل معدل ما تتقاضاه من الأجر الى 84% من قيمة ما يتقاضاه الرجل الأوربي.
واما بالنسبة الى العنف والإغتصاب الجنسي، فقد افادت دراسة أوروبية نشرت في ستراسبورغ: أن امرأة من كل خمس نساء تقع ضحية أعمال عنف مرتبطة بجنسها في دول مجلس اوربا الأربعين.
وحسب الدراسة التي أجراها مجلس أوربا فإن العنف يطال النساء من كل الأعمار وكل الطبقات الإجتماعية وكل الثقافات. كما أكد معهد الإحصاء الإيطالي: إن ما لا يقل عن 40% من الإيطاليات ما بين (59_14) عاماً هن ضحايا للاغتصاب الجنسي، وأن مجموع الإيطاليات اللاتي تعرضن لعمليات تحرش ومضايقة جنسية يصل الى تسعة ملايين إيطالية.
وأضاف التقرير أن 29% من عمليات الإغتصاب ترتكب داخل البيوت المغلقة، و%10.5 داخل السيارات، وكشف التقرير ايضاَ الى نحو 14 مليون إيطالية يخشين السير في الشوارع المظلمة والأماكن المهجورة من دون رجالهن1.
هذا واقع حال المرأة في الغرب، وأما في الإسلام فإن المرأة حرة كريمة مصونة، لها ما للرجل وعليها ما على الرجل بلا تمييز ولا إحتقار ولا إضطهاد ولا تفضيل لأحد على الاخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. فلقد أكرم الإسلام المرأة أيما إكرام، حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "أكثر الخير في النساء"2، و "إن العبد كلما ازداد ايمانه ازداد حبه للنساء"3.
أي إكرام وتقدير هذا للمرأة؟، بينما نرى نظرة المبادىء الأخرى للنساء نظرة إحتقار وإزدراء، وأنها مخلوقة مجردة من جميع الحقوق الإنسانية، وإنها مسئولة عن إنتشار الفواحش، والمنكرات وما آل اليه المجتمع من إنحلال خلقي شنيع، وانها كما يقول "ترتوليان" الملقب بالقديس: "مدخل الشيطان الى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة للرجل. وكما قال أحد رجال الكنيسة المدعو "بونا فنتور" الملقب بالقديس ايضاً: إذا رأيتم المرأة، فلا تحسبوا أنكم ترون كائناً بشرياً بل ولا كائناً وحشياً، وأنما الذي ترون هو الشيطان بذاته، والذي تسمعون به هو صفير الثعبان.
لهذا أصبحت المرأة عندهم تعتبر كسائر أمتعة الحياة، حاجتهم إليها ساعة، وغناهم عنها ساعات. أما الحسرة والندامة فهاجس يطاردها في كل مكان حتى إذا بلغت السن القانوني عندهم، فحينئذ لا أب رحيم يشق عليها، ولا أخ غيور يدافع عنها، ولا قريب يسأل عنها، لذا تراها تخرج للبحث عن كسب لقمة تعيش بها، فأصبحت مبتذلة حتى أعرض الشباب عن الزواج واكتفوا بالطرق غير الشرعية للحصول عليها، فإضطرت المرأة أن تستمر في العمل لتعيش، لا لتعمل وتبني مجتمعاً وحضارة_كما يزعمون_ كلا، بل لتعيش ولو على حساب عفتها وحيائها.
لمحة عن حياة المرأة عبر التاريخ، مرورا بالأمم غير المتمدنة، كالأمم التي كانت قاطنة في بعض مناطق أفريقيا، واستراليا، والجزائر البعيدة، وامريكا القديمة وغيرها، نجد أن حياة النساء في هذه الأمم بالنسبة الى حياة الرجال كانت كحياة الحيوانات الداجنة التي تربى في الحقول او المزارع او البيوت، اذ كان الرجل يتصرف بها كما يتصرف الإنسان بالحيوان وكيفما يشاء، فكما يستفاد من الحيوانات من شعرها ووبرها ولحمها وعظمها ودمها وجلدها وحليبها وحراستها، وفي حمل الأثقال وفي الحرث وفي الصيد، الى غير ذلك من احتياجات الإنسان الحياتية والمعيشية الكثيرة، كذلك كانت نفس النظرة بالنسبة للمرأة!.
حيث كانت موضعاً لقضاء حاجاته ورغباته وآلة بيده ليس الا، دون ملاحظة إنسانيتها ومشاعرها وامالها والامها ورغباتها.
فكان للرجل المتسلط عليها كالأب أو الزوج أو الأخ الأقوى أن يبيعها، أو يهبها، أو يقرضها للخدمة أو للفراش او الإستيلاد، أو لأي غرض من أغراض الإقراض. بل كان له الحق في أن يقتلها أو يتركها تموت من الجوع، أو حتى يأكلها، إن رغب أو اضطر لذلك.
وما كان على المرأة في هذه المجتمعات إلا أن تطيع وتنفذ الأوامر، فهي لم تكن تخدم في البيت وتربي الأولاد وما أشبه من إحتياجات الأسرة فقط، بل كانت تكلف وتجبر على القيام بأعمال شاقة فوق قدرتها وطاقتها، كإعداد الطين للبناء وغير ذلك من الحرف والصناعات التي تشق على الرجال فكيف بالنساء.
أما حياتها في الأمم المتمدنة التي كانت قبل الإسلام فلم تكن بأحسن كثيرا منها في الأمم السابقة، فهي ليست ذات إستقلال وحرية، لافي إرادتها ولا في أعمالها، وتعاني من عدم إحترامها كزوجة لها شخصيتها، ومكانتها وإنسانيتها، إذ ليس لها إستقلالية وحرية في قرار أي شيء.
وبالمقابل كان عليها أن تتحمل المعاناة والمصاعب في جميع مرافق الحياة من كسب وكد أعمال قاسية وصعبة، خاصة من ناحية بنيتها الجسمية، وغير ذلك، لم يكن عليها أن تختص بأمور البيت والأولاد بل كان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها، حتى اذا لم ترغب بذلك وكان فوق طاقتها.
وكان يمكن لعدة رجال أن يتزوجوا إمرأة واحدة يشتركون في التمتع بها، ويلحق أولادها بأقواهم. أما في ايام حيضها ودورتها الشهرية كان عليها أن تتحمل كل أنواع الازدراء والنفور، حيث يجب عليها أن تنفرد عن عائلتها بأكلها وشربها، فهي نجسة خبيثة في نظرهم. ومما يذكر عن حال المرأة تحت ظل ما عرف بشريعة حمورابي.
إن المرأة كانت تابعة للرجل بكافة أمورها دون أي إستقلال، إذ إن الزوجة التي لم تطع زوجها، أو استقلت بعمل معين دون موافقته، كان يحق للرجل أن يطردها من بيته، أو أن يتزوج عليها زوجة أخرى، وتعامل الأولى كملك يمين، بل كان لزوجها الحق في قتلها إن أخطأت في بعض شؤون المنزل بإغراقها في الماء. لذا كان للرجل أن يمسكها متى أراد، ويتركها متى شاء، وما عليها إلا تنفيذ أوامر الرجل!!
اضافةتعليق
التعليقات