إذا كانت "كل الطرق تؤدي إلى روما" فإن كل موقف وحكاية تروي احترام الانسان وعدالة الدول تؤدي بنا إلى مقارنة مع من يدير دفة البلد فتجعل نزيفنا الدامي من ألم وحرقة يفيض ويغرق آمالنا على بلد نعي جيدا استيلاء العصابات عليه.
وأنا اقرأ ما جاءت به الصحف وجدت نفسي أقارن بين من قتل وسرق كيف تبدلت صفته إلى انسان صالح ومرشد وبين شبابنا الذين سالت دمائهم على اسفلت الشوارع ممرغين بالأتربة، وانحاك ثوب الباطل على مطالبهم الحقة وتحولوا إلى عملاء وخارجين عن القانون وهم المطالبين بتطبيق القانون العادل وربما في القادم سيتهمون بتدمير البلد!.
فكيف تحول القاتل تقيا ورعا، والمطالب بحقوقه عميل خائن؟
القصة كما هي، في خمسينيات القرن الماضي قام شاب يدعى جاك بعملية سطو على أحد المحال وقتل الشرطي الذي حاول اللحاق به برصاص مسدسه، في المحكمة كانت بوادر الندم واضحة عليه وإجابته عن أسباب الجريمة تدعو إلى الاستغراب والتعاطف في آن، سأله القاضي لماذا سرقت؟
- أردت أن أشتري زورقا.
- لماذا قتلت الشرطي الذي كان يلاحقك؟
- بعد هروبي سقطت نظاراتي الطبية فأطلقت العيارات النارية خوفا واصابته دون قصد مني.
الشاب الفرنسي وخلال بقائه في السجن والذي دام سنوات قبل تطبيق حكم الاعدام ندم كثيرا وأرسل رسائل ندم واعتذار لكل من آذاهم في حياته وأولهم أهل الشرطي المتوفى، وكان حسن السير والسلوك وتقرب إلى الله بالدعاء والتوبة وأكثر بالتأمل والصلاة، وبعد تطبيق الحكم طالب أهله وكل معارفه برد الاعتبار لجاك كونه انسان سوي صالح يستحق الاحترام.
المحكمة وعلى الرغم من انتهاء الفترة القانونية لتقديم الطلب تركت بصيص أمل للمعترضين وأعلنت أنها ستراجع القضية. وتم جمع وطباعة كافة رسائله وسيرته الذاتية التي كتبها، وأقبل عليها الناس لشرائها معتبريها رسائل انسانية تتحدث عن التوبة والعفو والشجاعة واتخذه البعض كقدوة لشجاعته بالاعتراف بالذنب.
وآخرها، قامت الكنيسة الكاثوليكية بإجراءات لتحويل القاتل إلى قديس. عن طريق تطويبه، والتطويب هي المرحلة الثالثة من الخطوات الأربع لعملية تقديس شخص متوفى، يتم اختياره من قبل البابا باسم الكنيسة الكاثوليكية.
إنه احترام الانسان لما يقوله ويفعله ليرجع صداه باحترام أخيه الانسان، واحترام النفس وواجباتها اتجاه أبناء جلدتها مفقود في داخل كل من تهاون وتواطأ وشجع وأيد من قتل الشاب المطالب بحقه بطريقة سلمية من ثروات البلد المنهوبة ولا يملك في جيبه سوى 500 دينار وهي تساوي "لفة فلافل".
ومثله عامل البناء الذي أرهقه الفقر والعوز، والخريج العاطل عن العمل ومئات الشباب المتشابهين في معاناتهم واثقال الحياة التي انهكت كاهلهم وأحلامهم العليلة بداء اليأس الذين ذهبت دمائهم هباء منثورا ويتهمهم البغضاء بالخارجين عن القانون.
مع هذه النفوس المتجرثمة بالبغض والجشع يشعر الفرد أنه في غابة وهو أحد مخلوقاتها وكلما كان مفترسا له أنيابٌ حادة ارتفعت حظوظه بالنجاح واستولى على ما يريد بسرعة، والتزامه أمام رب خلقه ودين هذب أفعاله ليكون سويا ومعطاء فهو التزام ظاهري يستخدمه ليزين به شكله ومحذوف تماما من داخله، فكيف يحترم مخلوقا مثله؟.
اضافةتعليق
التعليقات