ورد في إحدى الزيارات المشهورة للإمام الرضا(عليه السلام) وهي زيارة الأحاديث السبعة هذه الفقرة: "مولاي أنتَ الذي لا يزورك إلا الخواص من الشيعة".
هنا تساؤل وجداني:
هل حقاً من لم يحظَ بضيافة أنيس النفوس وغريب الغرباء في أرض طوس هو ليس من المرضيين عنده فلم يزره بَعد؟
هل إن كل هذا الحنين والشوق الذي بقلب المحب ليس صادق وحقيقي، لا قيمة له ولا أثر ولا نفع فلا يُعد من خواصه لأن بدنه لم يزر مشهده الشريف؟
أوليس من المعلوم أن من معاني حقيقة الزيارة هي الالتفات والتوجه القلبي للإمام المزار؟
فكم من زائر غير ملتفت لعظمة المُزار فليس له من زيارته غير تعب السفر ومشقته، وكم من زائر يذهب بنية سفر التمتع والتسوق، وكم من زائر يكتفي بإلقاء سلام عابر من غير توجه ودمعة شوق وأنس، غير مبالي هل حظي بالرد من مولاه أم لا؟! وكم من زائر لا يراعي آداب الزيارة بحضرة مولاه؟ هل يُعد هذا من الخواص لأن بدنه كان حاضراً؟
(وهنا لا بد من التنويه إن الامام بلا شك يَقبله ويُكرمه، ولكن نحن نتكلم عن وجه الإنتفاع الأكمل من قِبل الزائر يكون غير متحقق عند هكذا زوار).
بالمقابل ماذا عن القلوب المتلهفة للتشرف بالحضور بين يدي إمامها، والإستلهام من نور مقامه، والتزود من البركات المحيطة بقبره، والرحمات النازلة ببركته؟
فهل يستوي من يأتي ليريح بدنه ومن يأتي ليريح بدنه وروحه؟ وهل يستوي من يأتي ليتزود لمواصلة حياته الدنيا والأخرى، مع من يأتي فقط ليترفه؟
حقاً هذه العبارة توجد في نفس المشتاق والمحب لإمامه غصة ولوعة مضاعفة! ولكن من الاجابات التي تسكن هذا الألم، وتجبر قلب المحب المنكسر المترقب لحلول ذلك اليوم الذي يأتي دوره ليذهب إلى مشهد إمامه هو ما بينه أحد الأفاضل بهذا الخصوص من خلال فهم معنى خواص الشيعة وذلك بمعرفة أصناف الشيعة إذ قال:
أن هناك دائرة واسعة عامة ممن يطلق عليهم تسمية شيعة وهم الذين كانوا يوالون الامام علي والحسنيين عليهم السلام.
وهناك دائرة أضيق هم ممن أكملوا في دائرة الولاء للأئمة من ولد الامام الحسين (عليه السلام)، لكنهم توقفوا ولم يتموا ولائهم وإنتماءهم الشيعي حتى خاتم الائمة وهو الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) في غيبته وعند ظهوره المقدس، فكما يُنقل حول هذا الصنف أنه ذَكر الوحيد البهبهاني في فوائده: "أن الواقفة هم الذين وقفوا على الكاظم (عليه السلام)، وربما يطلق الوقف على من وقف على غير الكاظم (عليه السلام) من الأئمة... "(١)، أي أنهم لم يؤمنوا بإمامة الامام الرضا عليه السلام وبقية الأئمة من بعده، لذا فهؤلاء ليسوا من خواص الشيعة، فهم قطعاً لا يتحقق فيهم مفهوم زيارة الامام عليه السلام المادي ولا المعنوي لانهم بالأصل لا يؤمنون بإمامته.
أما الدائرة الخاصة هم الشيعة الموالون الذين أستمروا في ولائهم وإنتماءهم الحقيقي للأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وهؤلاء هم خواص الشيعة.
وبالتالي فإن رضا الامام عليه السلام وعلامة قرب محبيه منه ليس متوقف على الحضور الجسدي والزيارة العينية في مشهده الشريف، وإنما هو يتحقق أولاً بالحضور القلبي والمعرفي له صلوات الله عليه، وهو كما ورد عن إمامنا الصادق عليه السلام إنه قال: "يُقتل حفدتي بأرض خراسان في مدينة يقال لها طوس، من زاره إليها عارفا بحقه،...، قلت: جعلت فداك! وما عرفان حقه؟.. قال: يعلم أنه مفترض الطاعة غريب شهيد،..."(٢)، فالمعرفة هنا (عقلية/فكرية) أي الاعتقاد بوجوب الطاعة للإمام بكونه إمام مجعول من قبل الله تعالى، و(قلبية/وجدانية) أي إستشعار جانب الظُلامة والأذى والغربة التي تعرض لها الامام سلام الله عليه، وبالتالي التألم وإظهار الحزن لما جرى عليه.
لذا فكل من تحققت فيه هاتين العلامتين فإمامه حاضر في قلبه، وهو يُعد حاضراً وزائراً لإمامه إن شاء الله تعالى، وإن لم يَكن ببدنه حاضر عند قبره، ولكن إن إجتمع حضور البدن مع حضور القلب فهو نور على نور.
رزقنا الله تعالى والجميع ذلك في الدنيا وشفاعته في الآخرة.
اضافةتعليق
التعليقات