إن أول مأتم أقيم على الإمام الحسين ﷺ كان في الجنان، أما أول من قرأ التعزية على الأرض للإمام الحسين فكــان مـلاك الوحي جبرئيل، قرأ تعزية الإمام الحسين لآدم أبي البشر.
روى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتِ) أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة فلقنه جبرئيل: (قل يا حميد بحق محمد يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان). فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي. قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب.
فقال: يا أخي وما هي؟ قال يُقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين ولو تراه يا آدم وهو يقول واعطشاه واقلة ناصراه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان فلم يجبه أحد إلا بالسيوف وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من قفاه وينهب رحله أعداؤه وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنان، فبكى آدم وجبرئيلﷺ بكاء الثكلى.
فهذا أوّل مأتم أقيم على أبي عبد الله الحسين ﷺ في الأرض وكان الناعي وقارئ التعزية فيه جبرئيل، ولقد أبكى بما قرأ آدم أبا البشر وبكى هو أيضاً مع أنه ليس كالبشر في عواطفهم.
لم نسمع مثل هذه الروايات بشأن سائر أصحاب الكساء أنهم كلهم مظلومون واستشهدوا جميعاً في سبيل الله تعالى.
فنحن لا نستطيع أن ندرك عظمة مظلومية رسول الله في هذا العالم. ولا يتيسر لنا ذلك إلا في عالم الآخرة حيث سيكشف لنا الستار قليلاً عن مصائبه وهكذا الامام أمير المؤمنينﷺ فهو أول مظلوم بعد رحيل رسول الله، ففي زيارته نخاطبه قائلين: (السلام عليك يا ولي الله أنت أوّل مظلوم وأوّل من غُصب حقه).
ولقد كانت الصديقة الزهراء الجوهرة التي قال الله تعالى في حقها مخاطباً أباها رسول الله:
"لولا فاطمة لما خلقتكما".
وقد تحملت من المصائب والأذى الشيء الكثير في سبيل الدفاع عن حريم الرسالة والولاية وهداية الأمّة حتى قضت شهيدة.
وهكذا الإمام الحسن ﷺ فقد تحمّل هو الآخر ما تحمل، وإننا عاجزون عن درك مظلوميته، وما ندركه من مظلومية أصحاب الكساء وأهل البيت عموماً قليل جداً.
ولكن مع أنهم جميعاً عاشوا مظلومين واستشهدوا مظلومين ولكن لم يرد في الروايات أن آدم أبا البشر وجبرئيل ما بكيا على مصابهم قبل وقوعها بآلاف سنين وبالنحو الذي وصف، إلا ما كان من بكائهما على الإمام الحسين ﷺ لما سيحل به في كربلاء.
لقد تعامل أهل البيت مع حادثة عاشوراء بطريقة استثنائية، وفــاق تأثرهم بهذه المصيبة الأليمة تأثرهم بمصاب المعصومين الآخرين، فعلى سبيل المثال روي عن كثرة وشدة بكاء الإمام زين العابدين في مصيبة أبيه الإمام الحسين ما تقشعر منه الأبدان، فقد رووا أنه: بكى علي بن الحسين (عليه السلام) عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله ﷺ إنِّي أخاف أن تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ. قَالَ: إِنَّما أَشْكُوا بَنّي وحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة.
وقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) عالماً بما جرى على جدته الزهراء ليلاً وبكاها، ولكن ليس كبكائه على مصاب أبيه الإمام الحسين (عليه السلام).
الجدير ذكره أنه من مرّ بمصائب كثيرة، وكذلك الإمام موسى بن جعفر ﷺ الذي تحمّل سجون هارون العباسي، وهكذا جده الإمام الصادق (عليه السلام) الذي حبسه الأعداء أيضاً ونفوه وصادروا أمواله وأحرقوا داره، وكذا جده الإمام الباقر فقد عانى ما عانى حتى اتهمه بنو أمية بالكفر وقالوا عنه إنه نصراني... فقد كان الإمام الرضا (عليه السلام) عالماً بكل ما جرى عليه وعلى أجداده الطاهرين هنا جميعاً ولكنه لم يطلق هذه العبارة إلا بخصوص المصاب الذي حلّ بالإمام الحسين على الكلام في كربلاء. بل إن الكلمات التي استعملها أهل البيت في تعظيم عاشوراء والتعبير عن مصاب سيد الشهداء تختلف أساساً عن تعابيرهم الأخرى، فهي تعابير خاصة، تختلف عن غيرها كثيراً. المقدسة بقوله: فالإمام الحجة يخاطب جده الإمام الحسين في زيارة الناحية، ولأندبنك صباحاً ومساءً ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، فلم نسمع بمثل هذه العبارة عن الإمام في أي من الأئمة الآخرين ولا في أمه الزهراء.
اضافةتعليق
التعليقات