أرسل العلي الأعلى ميكائيل وبين جناحيه طبقٌ مغطى بمنديل إستبرقي، محتواه طعامُ من الجنة.. هبط جبرائيل ليُحاكي خاتم المرسلين (يامحمد يأمُرك ربُك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام)، كشف خير الأنام عن الطبق وإذا به عذقُ من رطب وعنقود من عنب، فأكل منه شبعا وشرب من الماء ريا، ليبشرهُ بعدها جبرائيل (إن الله عزوجل آلى على نفسه أن يخلق من صُلبك هذه الليلة ذرية طيبة..).
أُنسية خديجة
وأزهر ثقل فاطم في بطن خديجة، وغدى طِيب الجنة ونسمة فاطم تنبعث من رحم خديجة.. خفيفةَ روُح تتورد في أحشاء أمها، تُحدثها خديجة بين الحين والآخر، دخل يوماً النبي المُختار صلى الله عليه وآله سمعها تُكلم أحداً فصار يتساءل عمن كانت تخاطبه؟ فقالت: مافي بطني، فإنه يتكلم معي.. فقال النبي صلوات العلي الاعلى عليه: (أبشري يا خديجة، هذه بنت جعلها الله أُم أحد عشر من خلفائي يخرجون بعدي وبعد أبيهم) ..
نور فاطمة
وأكملت خديجة حملها، جاء المخاض، أرسلت طارش لنساء قريش لكي يلِينَّ امر ولادتها لكنهنَّ أبنَّ لأنها زوجة محمد!.
مرت ومضة لثواني وإذا بأربع نسوة يغشاهُن الجمال النوراني يدخلنَّ دار خديجة، وكلاً منهنَّ تعرف بنفسها قائلة: (أنا أمكِ حواء، أنا آسية بنت مُزاحم، أنا كلثم أخت موسى وأنا مريم بنت عمران، جئنا لنلي من امركِ ما يلي النساء).
وأنبلج نور الله من السماء ليسكنُ ارضه ووضعت فاطِمَة، وقعت ساجدة رافعة إصبعها وعَّج نورها المحمدي ارجاء الفضاء، دخلَنَّ أحد عشر من الحور عين، جالبات معهن طست وإبريق من الجنة يحتوي ماء الكوثر، ولٌفت بخرقتين بيضاويتين ريحهما ريح المسك والعنبر الفردوسي، وإستنطقتها، فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: (أشهد أن لا إلٰه إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط)..
حزنُ مبكر
بلغت زهرة محمد السابعة من عمرها، وبلغت أمها خديجة مبلغ المرض، طريحة الفراش وقد خيَّم عليها ظلال الوهن والضعف ..
ذات ليلة جرت دموعها على خديها فسألتها أسماء: ما خطب دموعكِ الجارية يا سيدة نساء عصركِ وفخرهُنَّ وأنتِ زوجة النبي؟ مبشرة على لسانه بالجنة؟
فقالت: ما لهذا بكيت، ولكن البنت ليلة زفافها تحتاج لأمها تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبا، وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ!
فقالت أسماء: ياسيدتي لكِ عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامكِ في هذا الأمر..
وشاء ريح الموت أن يحول بين فاطم وأمها، وشاء لفاطم ان ترتدي عباءة اليُتم..
أمرها من السماء
بلغت فاطمة الزهراء الحورية الانسية سن شبابها لتزهر على أهل الأرض كما تزهر النجوم لأهل السماء، وقد هلَّ على مظهرها أوفر وأحسن الجمال والملاحة والكمال الجسماني، وتوقد سنها ونضجها الفكري وذكاءها العقلاني الذي حيَّر ذوي الالباب والفهم!.
ولامست يديها المواهب الكُثر فيما يُنسب لها كأنثى..
طهر محمد وفلذة روحه من الذي يتهاون عن خطبتها؟
سعى من سعى لخطبتها ولكن كان النبي لهم كائن بقوله: (إني انتظرُ بها القضاء)، إنتظاراً منه لمن يكونُ كفؤ لها من عند العلي الأعلى كما أنها هي بجلالة قدرها أُنزلتَ من السماء وأشرقت على الأرضين ..
أتى ذلك الغُلام الذي يُسمى علي، ابن عم النبي (ص)، ذلك الذي لم يسجد للأصنام قط، وكان للنبي روحُ وجسد دخل داره مُسلماً خاطباً بضعته فاطمة والخجلُ يطرقُ به حياءاً، استأذن نبي خير الورى ابنته ليسألها، فأشرقت فاطم تبسُماً حياءاً لأبيها، تهلل وجه أبيها سروراً (فداها ابوها، سكوُتها رضاها)، فأستهلت السماوات فرحة وأُقيمت الافراح في السماء الرابعة قبل الارض، إجتمعت ملائكة السماء ونصب منبر الكرامة المُزخرف من النور وأمَر رب الأكوان ملكه (راحيل) ان يعلو المنبر ويحمده بمحامده ويمجده بتمجيده وان يثني عليه بما هو اهله فقال راحيل بعدها: إختار الله الملك الجبار صفوة كرمه، وَعَبَد عظمته لأمته سيدة النساء، بنت خير النبيين وسيد المرسلين، وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من اهله، المصدق دعوته، المبادر الى كلمته، علي الوصول بفاطمة البتول إبنة الرسول..
اما عقدها في الأرض أجراه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله في المسجد على المنبر بمرأى المسلمين، وكان مهرها عليها السلام درع بعلها علي عليه السلام..
زف النبي ابنته ذو الحسن الملائكي والطيب الهاشمي وهي مرتدية ثوبها الطويل، واركبها على بغلته الشهباء واشتركوا سكان السماوات والأرض في زفاف الحوراء الأنسية، النبي قبيلها وجبرائيل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون ألف ملك خلفها يسبحون الله ويقدسونه، وكبروا جميعاً ورافقنها بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار وزوجات النبي (ص)..
دار علي ..
انتقلت الطاهرة المطهرة من بيت الرسالة والنبوة الى دار الإمامة والوصاية والخلافة والولاية، شع منها نور جمالها، وانسجامها ببعلها وكأنهم نوراً أوحد إنشق ليكون (فاطم وعليَّ).
كانت تعمل في منزلها تعجن وتخبز وتقمّٓ عشها، تُقسَّم الاعمال بينها وبين خادمتها فضة رضوان الله عليها..
اغدقت بيت عليَّ بنور السبطين الحسن و الحٌسين وزينب الطُهر ذو البهاء الوفية في عشرتها وتربيتها، الطاهرة العالمة غير المُعلمة..
اضافةتعليق
التعليقات