تحاكيه، تناغيه، تلاعبه، تسكته، تحمله بين يديها.
حبيبي، قرة عيني، بكاؤك يقطع أوتار قلبي، عيناك الدامعتان تذكرني بدموع أبيك العباس، آه وألف آه كيف حالهم الآن، مولاي الحسين، إبنتاي زينب وام كلثوم (سلام الله عليهم أجمعين)، كم أحمل من الوله في قلبي لهم، ما أصعب الإنتظار، كأني في غياهب من الحيرة ، ليتني أسمع عنهم خبرا، ليت الطيور المهاجرة تحمل رسائلي إليهم، لكن! أتمنى أن لا يقصر أولادي في تقديم حياتهم فداءاً لإبن مولاتي الزهراء (عليها السلام).
وما بين الدعاء لله والرجاء والتوسل به، سمعت ذلك الصوت المنادي:
يا أهل يثرب لا مُقامَ لكم بها.... قُتل الحسينُ فأدمعي مدرارُ
الجسمُ منه بكربلاء مضرَّجٌ .... والرأسُ منه على القناة يُدارُ
أهناك خبر جاء؟ ما بال دقات قلبي تكاد أن تقف! خرجت مسرعة، راكضة، ملهوفة، لتسمع أخبارا عن الأحبة.. إنه إبن حذلم !
((دنت من بشر، فأخذت تسأله عن الحسين، وهو يجيبها عن أولادها الأربعة، وهو يقول لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر، قالت أخبرني عن ولدي الحسين، قال: عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت: أخبرني عن ولدي الحسين، قال: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان، قالت يا بني أخبرني عن ولدي الحسين، قال: عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس، فلما سمعت بذكر أبي الفضل العباس وضعت يدها على قلبها ثم قالت: يا ابن حذلم لقد قطعت نياط قلبي أخبرتني بقتل أولادي الأربعة ولكن يا ابن حذلم إعلم إن أولادي وجميع من تحت السماء فداء لأبي عبد الله الحسين، يا ابن حذلم أخبرني عن الحسين. عند ذلك قال: يا أم البنين عظم الله لك الأجر بالحسين فلقد خلفناه بأرض كربلاء جثة بلا رأس فصاحت وا ولداه وا حسيناه، وسقطت إلى الأرض مغشيا عليها، فلما أفاقت قالت: يا ابن خذلم لقد قطعت نياط قلبي، أخبرني عن ولدي الحسين))*.
حسين، أنت مقصدي، حسين المبتغى، فداء لك أولادي، لكن أردت أن ترجع سالما، وتقود الضعن أنت.
وأتته أم البنين مـع الناس تنادي أن افسحوا لي المجالا
أيـها الـذاكر الـحسين أجبني مـا ابتغائي غير الحسين سؤالا
قـال يـا عـمتي إليك عزائي بـبـنـيك فـأومـأت أن لا لا
وأعـزيـك بـالحسين فـنادت واحـسيناً وأعـولت إعـوالا
لـيتني مـت قـبل يـوميَ هذا كان عيشي بعد الحسين محالا..
كانت جل أمنياتها، أن يدفنوا جانبها، أفلاذ كبدها، حسينها، تتمنى أن تزورهم، تجلس عندهم وتبكيهم، فصارت تخرج إلى البقيع، وتصور أربعة قبور رمزية لهم، وقبر خامس لأبي عبد الله الحسين تشعل الشموع، تروي تلك الترب الطاهرة، حمام بيضاء تتجمع كأنها أيضا تشتاق أن تصل إلى قبورهم في كربلاء تبكي كل من يمر بها.
وكانت تقول:
لا تدعوّني ويك أم البنين تذكّريني بليوث العريــــــــــــــن
كانت بنون لي أدعى بهـــــم واليوم اصبحت ولا من بنين
أربعة مثل نسور الرُبــــــــــــى قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تتنازع الخرصانُ اشلاءهم فكّلهم أمسى صريعا طعينْ
ليت شعري أكما أخــــــبروا بأنّ عباساً قطيع الوتين
عاشت حرة أبية صابرة مجاهدة، وتوفت مضطهدة حزينة باكية نادبة أولادها، ولكن الحسين أعز عندها، فإّن ما وصلت إليه من مقام رفيع عند الله؛ وأصبحت بابا للحوائج بفضل نصرتها وحبها لإمام زمانها، فلنتخذها قدوة في هذا المجال، وهو نصرة حجة الله .
اضافةتعليق
التعليقات