كثر الفساد واشتعلت نار الفتنة بين الأمويين حيث ضعفت الدولة الأموية كثيراً واقتربت من النهاية، فقاد الامام الباقر عليه السلام في تلك الحقبة الملتهبة حركة علمية كبيرة حيث اغتنم الفرصة واستفاد من الأزمة والخلاف حول الحكم بين الخلفاء وبدأ بتربية التلاميذ مع مراعاة الأجواء. فقد خرج الشيعة من الانحسار تقريباً وبدأوا بالتحرك وتدوين علومهم لنشرها إلى جميع أنحاء العالم وهيأ امامنا الباقر الأرضية لإنطلاق أكبر مكتبة وجامعة شيعية في زمن ولده الامام الصادق عليه السلام.
ليبين أن نتيجة العمل سوف تظهر عاجلا أم آجلا ولابد أن يعمل الانسان ليصل إلى أهدافه السامية.
فقد أقبل الناس على امامنا الباقر عليه السلام ليتفقهوا في دينهم ويسألوا عما يشغل بالهم.
يقول الراوي: رأيت أهل خراسان التفّوا حوله حلقات يسألونه عمّا أشكل عليهم*١.
وذكر الشيخ الطوسي، في كتابه الرجال أن أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر [عليه السلام] الذين كانوا يروون الحديث عنه بلغوا 462 رجلاً وامرأتين.
هؤلاء التلاميذ لم يكونوا كبقية التلاميذ فقد نالوا شرف التعلم تحت إشراف إمام معصوم ومن بقر العلم بقرا وأخرج كنوزا من مخبئه الذي كان يُحيط به، فقد كان نبينا الأعظم (صلى الله عليه و آله) قد أخبر عن عظمة الامام الباقر (عليه السَّلام) و قيامه بهذا الدور العلمي في حديثه إلى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ أنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ سُمِّيَ الْبَاقِرُ بَاقِراً؟ قَالَ: لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ بَقْراً، أَيْ شَقَّهُ شَقّاً وَ أَظْهَرَهُ إِظْهَاراً، وَ لَقَدْ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) يَقُولُ: "يَا جَابِرُ إِنَّكَ سَتَبْقَى حَتَّى تَلْقَى وَلَدِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفَ فِي التَّوْرَاةِ بِبَاقِرٍ فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ...
بعض الأقوال الواردة في عظمة الامام الباقر عليه السلام
كتب الذهبي في وصف الإمام الباقر [عليه السلام] : «كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤود والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة»*٢
وقال ابن حجر الهيتمي:
«أبو جعفر محمد الباقر [عليه السلام] ، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقّها، وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه، ورافعه... عمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة ...»*٣
وذكر عبد الله بن عطاء إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقر [عليه السلام] وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: «ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي [عليه السلام] لتواضعهم له ...»*٤
تمكّن الامام الباقر عليه السلام من تربية ثلة من العلماء والفقهاء اللذين رفعوا أعلام المعرفة وأصبحوا فيما بعد هم أعلام الأمة وثقاتها ولولا جهدهم لانمحى كل شيء وانقطعت آثار الحقيقة واندرست..
يبين امامنا الباقر أهمية طلب العلم ويحثنا على ذلك لنخرج من أوهام الجهل ونقوى على مواجهة العدو وندعوا الآخرين إلى الإسلام والإنسانية بالعلم والعمل. فقد قال الامام الباقر (عليه السلام):
"إن جميع دواب الأرض لتصلي على طالب العلم حتى الحيتان في البحر".
وقال عليه السلام:
"لو أوتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه في الدين، لوجعته".
وبذلك بين الامام عليه السلام عظم المصيبة ومدى خطورة الجاهل بين الشباب وأن من يبتعد عن العلم والتفقه في الدين مسيره الهلاك..
اضافةتعليق
التعليقات