تغادرنا الافراح بعد ان تداعب شفاهنا ببسمتها؛ معلنةً رحلتها نحو الأفق..
ثم يمضي العمر بنا, يأسرنا في أغلب الأحيان بوجع دفين, وتتوق الروح لأيام رجوناها ان لا تنتهي, غير انها لا تأبى لتوسلاتنا فتنطوي في سجل الذكريات.
ما زلت اذكر كيف كانت لهفتي بمجيء العيد كنت اترقب قدومه كزائر عزيز اجلس في حجرة جدتي قرب نافذتها الخشبية التي تطل على الزقاق ولا تنفك عيني بلنظر الى جادة الطريق.. ظنا مني ان العيد سيأتي بهيئة رجل يزورنا!..
هكذا كنت اقضي يومي بطوله, بعفوية وفطرة, ليت تلك الايام تعود بنكهة عذوبتها..
كبرت وتوالت السنوات وتكالبت عليّ بأوجاعها, واخذت ما تشاء من ماء الشباب, واثمرت حياتي بالأطفال.. وهلت تباشير الفرح معلنةً ليالي العيد من جديد.
وفي المساء ترجلت الى مخدعي، صغيرتي تسألني: ماما هل سيأتي العيد الينا غدا؟
ابتسمت خلسة ذكرتني بحالي اجبتها: اجل يا طفلتي المدللة هلمي اليّ واجلسي بجواري.
احتضنتها وداعبت خصلات شعرها الكستنائي، ما زالت عالقة بعض التساؤلات على شفتيها فهي تشبهني..
اردت استدراجها لتفصح عما في جعبتها فاستطرقت لسؤالها, هل انت سعيدة بقدوم العيد؟
صمتت لبرهة وليس بعادتها الصمت, فمن البديهي ان تجيب بسرعة بنعم إلا انها لم تود الادلاء بفرحها.
ترى ما الذي يشغل طفلتي الصغيرة التي لم تكمل العاشرة بعد؟
ربتُ على كتفها "اجيبي يا حلوتي؟.."
رمقتني بعيون غائرة بحزن خلطه فرح مصطنع وقالت:
-هل سيكون عيدنا سعيد, ويفرح كل الناس به؟
هل سيعود والد صديقتي رقية في العيد، منذ ان التحق بالحشد الشعبي لم يزورهم بعد وهي مشتاقة له, هل سيأتي ليغمرها فرحا بعودته ويعطيها العيدية؟
هل سيزور ام يوسف جارتنا المسنة ابنائها الذين تركوها خلفهم فريسة الوحدة دون مبالاة, وانشغلوا بالحياة وصخبها لتفرح بقدومهم, فهي تترقبهم كل يوم علها تلمح احدهم على قارعة الطريق؟
هل ستخرج ابنة جارتنا رياحين من المشفى بعدما تنهي جلسة الكيماوي لتحتفل بقدوم العيد يا امي؟
كلماتها اكبر من سنها, اوجعت قلبي بها.
سألت نفسي: هل نملك فرحة في العيد, ام الحزن قد اغتالها؟
متى ستشرق شمس عيدنا, وتتوقف دوامة الحزن التي حصدت وما زالت تحصد بأرواح ابنائنا واطفالنا, نسائنا وشيوخنا, منهم الشهداء ومنهم من لا يملك ثمن الدواء, ومنهم من ركب الموج ليكون البحر مقبرته, ومنهم من انهكه الجوع تحت خطر الفقر, ومنهم من لا يملك ثمن ثياب وينام بلا عشاء, ومنهم.. ومنهم.. ومنهم..
لم اجد ملاذا لتساؤلاتي, فبما اجيبها.. الصمت كان لغتي ليلتها..
اضافةتعليق
التعليقات