كنت صغيرة حينها, حين نادتني أمي لتبشرني بإقتراب موعد سفرنا للعمرة، هيأتُ حقيبتي ووضعت فيها ما قد احتاجه في هذه الرحلة فكان خيالي يحلق الى أرض المدينة وأنا انظم حاجاتي ولم أنسَ ان اقسم قطعة القماش الخضراء "العلك" التي اشتريتها من بين الحرمين الى ستة قطع واحدة اعقدها على شباك النبي (ص) والاخريات للمعصومين الاربعة "عليهم السلام" ومولاتي ام البنين (ع).
في الحقيقة في سني عمري العشرة لم أجد من يشرح لي الفاجعة ويصف لي ما سأراه هناك، كنت احسبُ ظلمهم بعد الأرض او إحاطة الظالمين بهم فقط.
عند وصولنا الى الفندق توسلت بأمي ان تأخذني الى البقيع فحرارة شوقي تمسح من جسدي كل تعب، فأخذتني وكنت ابكي بفرح, كنت اهرول مرة وامشي أخرى، وبتتابع الخطى استنشقت نسيم باذخ الجمال غمر انفاسي فعلمت أني على مقربة من ارض البقيع فأغمضت عيناي وصرت أمشي ببطئ لأحتفي بوصولي اليهم واستشعر كـافة التفاصيل.
الملتقى
سمعت أمي وهي تقول: هذا البقيع.. فتحت عيني فصدم نظري الجدار! عدت لأمي هل تمزحين أين البقيع؟!
فنطرت لوجهها وقد هدّه شيء من الهمّ، ورأيتها تبكي ثم جلست وقصت لي حكاية الإخفاء والهدم! بتفاصيلها المروعة وظلمها الكثير!.
قمت وتطافرت من عيني الدموع، قمت بلا نشاط، كلي مثقلة أرتجي الجدار أن ينخفض وألمح ولو التراب، فهنا لا ضريح ولا قباب، وضعت رأسي على الجدار وانساب في روحي المصاب.
لماذا الهدم؟!
إنها قضية ذات شجن ويجب ان نقف عندها، من قام بالفعل يدعي أنه مسلم قد آمن بمحمد (ص) نبيا، ومحمد (ص) يقول: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي".
وهذا الحديث مذكور في كتب الفريقين بأدلة ومساند صحيحة ومعتبرة.
لو إنهم فعلاً امتثلوا لوصية النبي (ص) وتمسكوا بالقرآن الكريم لتمعنوا في قوله تعالى في سورة الكهف: "فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)".
فلقد كانوا فتية عاديين من بني البشر ولكن لإيمانهم بالله وهروبهم بدينهم كانت عاقبتهم ان يتخذ على قبورهم مسجدا دلالة على جواز بناء المساجد وتأدية الصلاة في الأماكن التي ضمت قبور الأولياء ووجوب احترام قدسيتها! وليس تهديمها بتلك الطرق البشعة وجعلها كسائر قبور البشر بل أسوء حالاً!.
وهم عترة النبي (ص) أحق الناس بالتقديس والاحترام فمن لايحترم ذريته كان قد نكر رسالته وما أدى حقه في شيء والذي ما رحل حتى ظل يوصي بالمودة بالقربى.
هذا بالنسبة للشطر الأول من وصية النبي أما الشطر الثاني فهو أنه أوصانا بالتمسك بالعترة، فماذا يعني التمسك؛ هل يعني هدم قبورهم ومنع الناس من الوصول اليها، التمسك يعني الأخذ بأقوالهم وسيرهم وتطبيقها في الحياة، التمسك يعني اتباعهم وتعظيمهم فهم سادة الأمة وخير البشر، التمسك بهم هو حق للنبي (ص) علينا كمسلمين وليس كأتباع موالين لمذهب أهل البيت.
حقاً ما يقوم به هؤلاء هو تدليس للحقائق واختلاط لأهوائهم مع دينهم.
قضية البقيع يجب أن تكون قضية عالمية ليس لنا نحن كشيعة بل لكل مسلم يملك ولو مقدار من الغيرة على القرآن ونبيه ودينه فهي قضية عقل ومنطق وليس ثارات وأهواء.
اضافةتعليق
التعليقات