يصدح القارئين بتلاوة القرآن والقوم مابين قائم وساجد وراكع، انها ليالي شهر رمضان والمدينة المنورة يغمرها سكون لاعهد لها به، سمائها صافية إلا من قمر يتربع على عرش السماء يأذن بقرب حدث جديد، انها لیلة النصف، قلب الرسول يخفق بشدة وعلي رافع يديه يبتهل لخالقه، انها الزهراء بدأت رحلة المخاض، لاعهد للقوم بهذه الرقة فهم يوأدون بناتهم وهنّ احياء، والان أعظم شخصين على وجه الأرض بل وفي السماء يتضرعان لله من اجل امرأة، يحبس اهل المدينة انفاسهم ويحاولون عدم البوح بمكنون قلوبهم، ولهم الحق فهم لم يعرفوا بعد من هي فاطمة.
سويعات تمر في عداد الحياة فتنجب شبيه للرسول (ص) ولو لم يكن للحياة سوى هذا الفخر لكفى، ففي احد ساعاتها ملأت البهجة والفرح في قلب الاب الرحيم والزوج الحنون، لقد منّ الله عليهما بصبي من احسن الناس خَلقا وخُلقا شبيه للرسول (ص)، وكأنه يعيد امجاد جده، نادى الجد بأسماء: هاتي الي بالصغير، جاءت به اسماء ملفوفاً بمنديل اصفر، ابعد الرسول المنديل الاصفر بيديه الحانيتين ولفه بخرقة بيضاء ناصعة كبيضاء روح الوليد، أذّن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى، وسأل علي الذي لاتكاد تزل عيناه عن وليده المبارك، فقال: لا اسبقك يارسول الله، قال الرسول ياعلي انت مني بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم هارون.
-وماكان اسمه يانبي الله.
- اسمه شبر.
-العرب لاتعرف هذا الاسم.
-سمه حسناً.
لم يسعه البيت من فرحه، ضم وليده الصغير، لامس وجهه، وقبّل جبينه، نظر الى الزهراء(ع)، فكانت كعادتها تزهر بابتسامتها التي تزيح عنه كل تعب وعناء، حتى انها قادرة على شفاء جروح الحروب فبلسمها عجيب انه بلسم السماء.
جالت ذكريات خديجة ارجاء المكان، لاتكاد مناسبة تمر دون ذكرها من قبل الرسول، وكيف له ان ينسى من وقفت بجانبه وآزرته ونصرته، لكنها لم تمت فعلاً انها انجبت شبيهة لها بكل شي، فأضحت روحها تدب من جديد في ارجاء زوجها الحزين فتبث فيه عبق الحنان، وتصبح هي ام ابيها..
هاهي الايام تمر وبيت علي وفاطمة متلالئ بنور الوليد الجديد، تضعه في المهد تهدهده بلطف شديد، تغمره بنظراتها الحنونة، تتلو بصوتها ايات من القرآن، يمسي البيت كجنة صغيرة، جنة مفروشة بالتراب ولكن بها انفاس فاطمة فهي اجمل جنة، تتهيئ لقدوم علي، طحنت له الشعير كي تصنع اقراص من الخبز، تسمع صوت وليدها يناغي، يغمرها الدفئ، تشعر بشعور غريب.. ياترى ماذا يريد ان يبوح به هذا الصغير الجميل، تأخذه بين ذراعيها، تنظر الى عينيه الجميلتين المفعمتين بالهدوء تخاطبه: ( كأنك شبيهاً بالنبي، لست شبيها بعلي)، تطوق فم الصغیر ابتسامة فهو یرى ابيه يقف خلف الزهراء مصغيا الى اهزوجتها الجديدة.
نعم كان شبيها للرسول(ص) بخلقه واخلاقه، وكأن الدنيا توسلت بخالقها ان يمدها بوجوه ملائكية شبيهة بوجه الرسول كي تبقى مزهرة بتلك الوجوه.
المهد يتهادى والرحى تدور مع صوت الزهراء، انه وبكل بساطة بيت فاطمة، يترعرع الوليد شبيه الرسول يتغذى من منبع النبوة والامامة، فيكن خير وعاء لهما، يشتد عوده ويبدأ فمه بالصدوح بأحاديث اقرب الى لغة السماء منها الى لغة الارض، مخاطباً البشر ليرتقوا ويصعدوا الى ملكوت ربهم.
وهذه بعض من اقواله*..
1) قال الامام الحسن(عليه السلام):
من عبد الله، عبد الله له كل شي.
2) قال الامام الحسن(عليه السلام):
ونحن ريحانتا رسول الله، وسيدا شباب أهل الجنة، فلعن الله من يتقدم، اويقدم علينا أحدا.
3) قال الامام الحسن(عليه السلام):
وان حبنا ليساقط الذنوب من بني ادم، كما يساقط الريح الورق من الشجر.
4) قال الامام الحسن(عليه السلام):
لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون.
5) قال الامام الحسن(عليه السلام):
من قرأ القران كانت له دعوة مجابة، إما معجلة وإما مؤجلة.
6) قال الامام الحسن(عليه السلام):
إن هذا القران فيه مصابيح النور وشفاء الصدور.
اضافةتعليق
التعليقات