يحكى ان هناك قرية كان أهلها يستخرجون الماء من البئر وفي احد الايام أدخلوا الدلو في البئر وأتى الحبل بلا دلو ..وتكررت هذه الحادثة فظن بعضهم انه مسكون من الجن وانزعج البعض الاخر لعدم معرفة السبب وبعد المشاورات اتفقوا على ان يدخل البئر رجلا ويأتيهم بالخبر، رفض الكثير وأبوا أن يدخلوها خوفا من مغبتها ..
فتبرع أحدهم لتلك المهمة وقرر أن يربط بحبل وينزل البئر، ولكن هذا الرجل اشترط أن يأتي أخوه ويمسك معهم الحبل الذي سوف يربط فيه.!
فاستغرب أهل القرية من شرطه وطلبه، فكان أخوه مسافرا وهم مجموعة وأقوياء للقيام بهذه المهمة، فحاولوا إقناعه دون جدوى، ثم وافق أهل القرية على طلبه، وأتوا بأخيه، ليمسك معهم الحبل، ودخل الرجل في هذه الغياهب، ليستشف الخبر، فوجد قردًا داخل البئر هو الذي يفك الدلو، فحمل القرد على رأسه دون أن يخبرهم وقال لهم اسحبوا الحبل فلما دنا من فم البئر نظروا شيئًا غريبًا خارجا من البئر، فظنوا أنه شيطان، فتركوا الحبل وولوا هاربين ولم يبق أحد يمسك بالحبل إلا أخاه، فظل ماسكا بالحبل خوفًا على أخيه ..
خرج أخوه من البئر، وحينها عرف الجميع أن الله قد جعل أخاه سببا في نجاته ولولا ذلك لتركوه يسقط ليلقى حتفه داخل البئر.
يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة)، وشبه المؤمنين بالإخوة كونها اقوى رابطة بشرية وحلقة حب ومودة تقويها الفطرة الإلهية للترابط والتواد والتراحم لتبقى ثابتة راسخة بين الأفراد وصلة الرحم الغليظة التي لا تقطعها المصالح ولا تغريها الملذات والخاسر الأكبر هو من يقطعها ويتجاهل أهميتها ويفضل عليها مصالح الدنيا وقال تعالى ﴿سنشد عضدك بأخيك﴾ أي: سنقوي أمرك وهذا الكلام موجه للنبي موسى (ع) فقد اختار الله الأخ لشد العضد والمساندة، فلا نجد بالدنيا شخصا يشد عضدنا مثل الأخ، فهو المضحي والمدافع عنا بصدق تجذبه الرحمة والرأفة بنا، يقال إن: (فتنة الإخوان عرس للشيطان)، وإذا حصلت الرحمة، حصل خير الدنيا والآخرة، ومن أعظم حواجب الرحمة ورزق الدنيا قطيعة الأخوة وتنافرهم، فالأخ وطن وصديق وكنز ومعين وقت الشدائد والعون بعد الله وأول من يهب لنجدتك .
وخير مثال وعبرة ودرس هو الحب والتضحية والمودة والتلاحم والترابط والاخوة الحق التي تربط الإمام الحسين وأخيه العباس والتي تجسدت في واقعة الطف فقد قال الإمام الحسين (عليه السلام) كلماته المدوية والتي تقطع نياط القلب: "الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي" لما رأى أخيه العباس (ع) صريعاً على التراب، قالها وهو يرى حامل رايته ويمينه وكبش كتيبته وعماد عسكره وسنده وعضيده ممددا قطيع الكفين على رمال كربلاء، وبعد أن توسد ذلك البطل الهمام التراب انكسر ظهر الحسين(ع) وقلت حيلته.
يقول إمامنا زين العابدين (عليه السلام): رحم الله عمنا العباس فلقد آثر وابلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما صنع جعفر بن أبي طالب، إن لعمي العباس منزلة عند الله يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة.
وموقفه يوم عاشوراء لدليل على مدى الإخلاص الذي كان يحمله لأخيه الحسين الذي كان يعتبره العباس إماما وقائدا لا شقيقا وأخا.
حيث يلتفت العباس إلى إخوته الثلاثة ويقول لهم: تقدموا يا بني أمي ليحتسبكم الحسين واحتسبكم انا عند الله، ويتقدم إخوته الثلاثة ويقاتلون حتى يقتلوا، وبقي العباس وهو آخر من بقي مع الحسين (عليه السلام)، تقدم نحوه مطأطئا برأسه إلى الأرض وهو يقول: أخي لقد ضاق صدري وسئمت الحياة قتل إخوتي قتل أهل بيتي لم يبق عندي احد، فقال له الحسين (عليه السلام): أخي أنت حامل لوائي أنت كبش كتيبتي إذا مضيت عني تفرق عسكري، أي عسكر لك أباعبد الله والعباس هو آخر شهيد بين يديك.
نعم كان الحسين يعتبر نفس وجود أبي الفضل عسكرا قائما بحد ذاته، فلم يأذن له الحسين فوقع العباس على قدميه يقبلهما ويلح عليه بأن يأذن له، عند ذلك قال له: أخي اطلب أولا قليلا من الماء لهؤلاء الأطفال اما تسمعهم يتصايحون العطش العطش، فأقبل العباس إلى الخيمة فأحطن به النسوة والأطفال وصحن صيحة واحدة: واعطشاه..
فحمل العباس القربة وتوجه إلى المشرعة إلى نهر العلقمي وكان على النهر جمع غفير من الأعداء فكشفهم عنها بعد أن قتل عددا منهم، نزل من على ظهر فرسه، وصل إلى الماء واغترف منه غرفة أدناها من شفتيه، وكان قلب العباس مثل جمرة النار من العطش ولكنه أحس ببرودة الماء فتذكر عطش أبي عبد الله، فرمى الماء من يده وانشأ يقول:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت إن تكوني
هـــــذا حسين وارد المنــــون وتشربيــن بارد المعيــن
تالله ما هـذا شعــار دينــــــــــي ولا شعــار صادق اليقين.
اضافةتعليق
التعليقات