قبل أيام، خضنا أنا وأختي نقاشا عن الإنسانية، كُنَّا نذكر فيه الذين كانوا ولازالوا رموزًا للإنسانية؟!
فـذكرنا أسماءا غربية، وسبب إنسانيتهم.
كــ"انجلينا جولي و غاندي ...إلخ"، وإذ نسمع صوت أمي يتداخل نقاشنا بسؤال فلسفي:
لو كنت أمتلك رغيف خبز ورأيت جائعًا هل سأتقاسمه معه؟
فكان الرد البديهي لنا: "بالطبع" دون أيَّ تفكير.
لتعاود بسؤال أعمق: وماذا لو هذا الشخص قد تسبب في وجودك على فراش الموت وكنت تحتضر بسببه؟!
هنا ترددنا بالجواب، لتبتسم أمي قائلة: إن أردتم نموذجا نادرا عن الإنسانية تكلموا عن علي "عليه السلام" الذي تجاوز المجتمع الإسلامي ليشمل المجتمع البشري كله .
فحينما وصف الأطباء اللبن دواءا وغذاءا للإمام علي (عليه السلام)، بادر الناس محبة له بجلب ما يتمكنون من اللبن إلى بيت الإمام فحمل الإمام الحسن (عليه السلام) قدحًا من اللبن إلى الإمام علي فحينما شرب منه قليلاً، ناول بقية القدح وقال: "خذوه لأسيركم اطعموه مما تأكلون، واسقوه مما تشربون، الله الله في أسيركم"، بالرغم من ان الأسير كان ابن ملجم قاتله!.
كيف لشخص يوصي بعدوه، وقاتله، ويرسل له الطعام والشراب؟!
البعد الإنساني في شخصيته يبقى هو البعد الأكثر الحاحًا، واهميةً في كل زمان ومكان، تلك صلة ذاتية يحلها الضمير الهادف، وتلازمها الرُّوح الصافية.
شتَّان بين أن ترى إنسانًا يدعو إلى الإنسانيِّة، فيتحدث بفمه لتصدّقُها جوارحه وتدعو لذلك أفعالُه..
وبين من يدعو بها قولاً، ليحاربُها فعلاً، مناقضا بذلك نفسه..
خير دليلٍ لنا ما يحصل الآن، فكل من أراد الوصول لمناصبٍ عالية نادى بالإنسانيِّة مدركاً أنها من أكثر احتياجات البشر في هذه الأيام..
فليس كل من أدعى الإنسانيِّة كان رمزًا لها، فكم من داع احتاج أن يَبنِيَ انسانيِّتة، وكم من مِن ينادي بها كانت هي أبعدَ ما يكون ممَّا يتظاهر به، مجرد شعارًا مزيفًا للوصول لغاياتهم وأطماعهم، على أكتاف الفقراء لعبوا دور الصم والبكم، استلذوا بالقتل والإرهاب، بالقمع، التمييز، والأضطهاد.
أين أنتم من تلك الصفة التي لا تباع ولا تشترى؟!
هي تكمن في القلب والعقل، بلا استثناء، فلو انفرد بها العقل، بتفهمه لأفترضنا ان "الكمبيوتر"هو الإنسانية، ولو انفرد القلب بها بمشاعره، لافترضنا أن "الحيوانات" أحق بها، تلك المفهومية التي تعظم قدره في القلب والضمير.
ما من إنسان يفعل أمرا يبذل فيه جهد إنساني إلا كان لهُ نصيب من دعوة صادقة وتفريج لكربه، من يبذل الإنسانية ويسلك الطريق سرًا، وعلانية، ظاهرًا، وباطنا يجنِ ثمار ذلك في الدنيا والآخرة.
اضافةتعليق
التعليقات