في شهر الخير والغفران مد الرحمن بساط الخير في جميع الأنحاء كي لا يتألم سائلا ينحب من شدة الذلّ، ثم هبت نسائم الرحمة بعدئذ من كل الجهات وحركت أغصان أشجار الضمائر بشدة كي لا تفسد فاكهة العقول على الأشجار ولا تبقى يدا خالية من فيوضات الهية.
اجتمع الطاهرون في بيت الوحي يترقبون مجيئه، هذه أول تجربة يمر بها بيت الرسالة، تجربة بكر من الطراز الثقيل وتبقى التجربة الأولى هي الأنقى والأجمل في ذاكرة الانسان، حيث الشوق واللهفة لرؤية ما لم تره عينه من قبل، ولم يمسسه مشاعره فيما مضى..
قد كرم الله الانسانية بشهر رمضان وأراد أن يكمل نعمته ورحمته على أهل بيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فجمع الكرم والشجاعة وكل الفضائل الحسنة في هيئة بشري سماه "الحسن" احتفل بيت الرسالة بمولوده الغالي، أوقدوا شموع البسمة وفرحوا بمولد أمل موصوف واحتفلت معهم السماء والنجوم في المدينة المنورة في النصف من شهر رمضان في السنة الثالثة من الهجرة، ولد أول سبط للنبي محمد صلى الله عليه واله وأول ولد لعلي بن ابي طالب وفاطمة بنت محمد ورابع أصحاب الكساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا*1.
وكان الحسن في ولادته مثل ولادة جده وأبيه طاهراً مطهراً يسبح ويهلل حال الولادة ويقرأ القرآن وكان جبرائيل يناغيه في مهده *2.
وهو من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه واله الذين أوجب الله مودتهم وجعلها اجر الرسالة: قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ*3.
وهو احد من باهل رسول الله صلى الله عليه واله نصارى نجران في قوله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ *4.
وهو أحد الثقلين اللذين خلفهما الرسول الأعظم بين أمته ليقتدى بهم وقال: اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما اعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما*5.
وهو من أهل بيت مثلهم في الأمة: مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق أو هلك
أو هوى والعبارات شتى..*6.
وهو أحد أهل خيمة خيمها رسول الله صلى الله عليه واله فقال: معشر المسلمين انا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم الا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم الا شقي الجد رديء الولادة ...*7.
وهو أحد ريحانتي رسول الله صلى الله عليه واله كان يشمهما ويضمهما اليه *8 هو وأخوه الطاهر((سيدا شباب أهل الجنة))*9.
وهو احد ابني رسول الله، كان يقول صلى الله عليه واله: الحسن والحسين ابناي من أحبهما احبني ومن احبني احبه الله ومن احبه الله ادخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار*10.
نعم هذا هو الامام الثاني الحسن بن علي الذي عندما ولد اوحى الله عز ذكره الى جبرائيل انه قد ولد لمحمد ابن فاهبط اليه فأقرئه السلام وهنئه مني ومنك... فهبط جبرائيل على النبي وهنأه من الله عزوجل ومنه *11.
كان النبي صلى الله عليه واله يتغزل بسبطه الأكبر امام المسلمين وكان ذلك الصبي يبادل جده حبًّا بحب وحناناً بحنان لأن تلك السّنين التي قضاها في كنف ذلك البيت الملفّع بأريج النبوة والإمامة والوحي كانت جلها مع جده الخاتم صلوات الله عليه وعلى اله، حيث كان الجد يضمهما وأخيه الحسين بين حنايا أضلعه ويشمهما بل ويرتشف من مباسمهما ثم يغدق عليهما من رحمته الواسعة بل يرضعهما من لبان النبوة حتى نبت لحمهما من مراشفه الطاهرة بل كان حجره مجلسهما وصدره المبارك وسادتهما فلا ينامان الا في أحضانه الدافئة وهو لا يرتاح الا وهما الى جانبه متوسدان حيث لا يشعرا بالامان والحنان والعطف والدفء الا معه، فكيف ستكون نتيجة هذا الحنّو وهذا التوجيه والعطف بعد ذلك؟
وكيف سيخرج هذا الطفل المبارك من هذه المدرسة العظيمة التي لا توجد مثلها مدرسة على وجه الكرة الأرضية؟
ولعل من أروع ما دونّه التاريخ ماذكره الرواة وهي عبارة عن مجموعة من دروس تربوية متكاملة على درجة عالية من الأهمية تنتهل منها الأجيال كل معاني السمو والشموخ والاخلاق عن البهي، قال: تذاكرنا من أشبه الناس بالنبي من أهله فدخل علينا عبدالله بن زبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم اليه الحسن بن علي رأيته وهو ساجد فيركب رقبته او قال ظهره فما ينزله حتى يخرج من الجانب الاخر*12.
الحسن عليه السلام منذ صغره كان يتلقى العلوم من منبع الوحي وأصبح عالماً بما كان وما يكون وازداد فوق علمه اللدني الذي منحه الله عزوجل، العلم الاكتسابي من رسول الله وعائلته الكريمة وكان صلوات الله عليه يهتم بالناشئة والأطفال كما تربى هو بين أحضان جده وأتقن أصول العلم والعمل من تلك الأسوة الحسنة، فالنبي محمد صلى الله عليه واله كان اذا رآهم عطف عليهم وشجعهم وأنّه دعا بنيه وبني أخيه فقال: إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم اخرين فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم ان يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته *13.
من هنا نتعلم ان الاهتمام بالصغار من فضيلة الاخلاق ومن يفكر بسموّ الأمة عليه أن يهتم بالناشئة كي يرفعوا رؤوسهم في المستقبل وينهضوا بالأخلاق والأدب ...
اضافةتعليق
التعليقات