أرخى الليل سدوله، وسيطر هدوءه على الحياة، ولف ظلامه جميع الأرجاء.. وفي غمرة ظلام الليل وعميق هدوئه أقبل الإمام الحسين بن علي عليه إلى مسجد جده رسول الله ﷺ ليؤدي أوراده ونوافله الليلية، وليختلي بنفسه مفكراً في الأحداث الاجتماعية التي طرأت على الأمة. فمعاوية بن أبي سفيان قد هلك بعد عشرين سنة من الحكم عانت الأمة فيها ما عانت.. وها هو ابنه يزيد بن معاوية يقفز على عرش الخلافة ليفتح المجال أمام الحكم الوراثي، والإمامة القبلية. ويزيد هذا يبدأ حكمه بعجرفة ديكتاتورية فيكتب إلى والي المدينة المنورة: أن خذ البيعة من أهل المدينة عامة ومن الحسين بن علي خاصة، ومن أبى فاضرب عنقه وأبعث إلي برأسه!!
وتلك جماهير الأمة تعيش حالة من الدهشة والذهول لا تدري ماذا تصنع وكيف تتصرف؟
جلس الحسين يفكر في هذه الأحداث ويتأمل هذه الأوضاع المؤلمة، فليست القضية سهلة بسيطة بل الأمر صعب وخطير حيث يهدد مصير الأمة ومستقبل الرسالة.
وبعد فترة من التفكير العميق والتأمل الجاد انتصب الحسين قائماً واستقبل القبلة وشرع في الصلاة ليستلهم من الله الحكمة والسداد والقوة والصمود وهذا هو التعامل الصحيح مع الصلاة، فالصلاة ليست لتقضية الفراغ ولا هي عبادة الكسالى، فقد ندد الله بفئة من المصلين حيث يؤدون الصلاة بنفسية كسولة لا مبالية وغير واعية إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا بل الصلاة صلة بين العبد وربه ليستلهم من الله الحكمة في أعماله والتسديد في مواقفه، وليعاهد العبد ربه على الاخلاص والاستقامة من خلال الصلاة.
وأتم الحسين صلاته وأوراده، ثم اتجه بالدعاء إلى الله خاضعاً خاشعاً يقول: (اللهم إن هذا قبر نبيك محمد ﷺ وأنا ابن بنت نبيك. وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر. وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضی). ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر فاغمض فرأى رسول الله ﷺ في المنام يضمه إلى صدره ويقبل ما بين عينيه ويقول: حبيبي ! يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك. مذبوحاً بأرض كرب وبلاء. في عصابة من أمتي، وأنت مع ذلك عطشان لاتسقى. وضمان لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة. (حبيبي يا حسين إن اباك وامك واخاك قدموا عي وهم مشتاقون إليك . وأن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة).
إن هذا الحديث يكشف لنا سراً عميقاً طالما بحث عنه الكثيرون ممن أدهشتهم شخصية الحسين الخالدة. فرغم توالي السنوات ومرور القرون وتعاقب الأجيال إلا أن شخصية الحسين تتجلى في كل يوم وكأنها شخصية العصر وقضيته تفرض نفسها وكأنها حديث الساعة.
اضافةتعليق
التعليقات