الثانية بعد منتصف الإحتراق حيث الجميع نيام إلا من اكتوى قلبه بألم الفراق، تشتعل بي حرارة الإشتياق إلى البدر التمام، أبحر في دوامات عقلي تتلاطم فيه الذكريات يشتد الصراع أقف على أعلى قمة في تلال الحب يصرخ عقلي بأعلى صوته: إن كان مجنون ليلى بعد أن حرم من محبوبته جُن وابتعد عن الناس وصار يكلم نفسه ويطارد في البرية إلى أن مات فَلَم يلام بل صار يضرب به المثل في الحب فكيف بمجانين من حارت فيه الفكر وجهلت بمعرفته البشر فلم يعرفوه حق معرفته ولا قدروه حق قدره ولم يرعوا له الحرمة..
يا من عاشوا بلا هواء حيث دفعوا الثمن غالياً، عاشوا الفقد والهجر والغياب يلتمسون نظرة تغنيهم، ولكن يأتي المرسال من العقل لم كل هذا الجنون والوله والإلحاح لكشف هذا الغطاء عن أعين معرفتكم بشخصه، أنتم تروه وهو يرى أعمالكم، كَشف ماغيب عنكم لحكمة وغاية ليس هو المطلوب منكم ومع ذلك رأف بكم إن شئتم وسعيتم ولكنه لن يسد رمق عطشكم إليه دواء داءكم هو ليس مجرد رؤيته وهو في كهف حزنه وغربته إنما رسم البسمة على شفته وتضميد الجراح التي تسببناها له طيلة فترة غيبته..
السر موجود بين هذه الكلمات صحيح أني قد جننت كجنون عابس ولكن خذوا الحكمة ولو من أفواه المجانين، قلبوا معي صفحات التاريخ، اجلسوا على ركبتيكم ادنوا من علمائكم والتمسوا منهم زبدة تجاربهم ورحلاتهم وماذاقوه من الأمرين في سبيل إلى من كيف السبيل إليه..
عندها فقط ستقررون في أي وادٍ تسلكون؟؟
أحد المصابين بحبه قد وجد بعد جِدِّه وطول انتظاره قُرَّت عينه وطُيب بطبيبه هو المغبوط السعيد السيد محمد باقر بن السيد علي بن السيد محمد رضا السيستاني وهو والد المرجع الديني السيد علي السيستاني حفظه الله ورعاه، إنه من علماء خراسان الذين يصلون في حرم الإمام الرضا عليه السلام وهو من قضى أربعين ليلة أربعاء يقرأ زيارة عاشوراء مع اللعن والسلام ودعاء علقمة في كل مرة في مسجد، وظل على عادته إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كَحَل عينيه من نور البصر وكُحل النظر وعين الحياة وصبح الأزل بعد أن كان في غياهب الظلام..
حظي أخيراً بغايته المنشودة، في ذلك الليل الداج رأى شمساً ولكنها ليست كالشمس التي في السماء ربما يظن البعض أن هذه الشمس العظيمة لا تحرق بل هي دافئة تنشر شعاعها في البساتين لتُظهر جمال ألوان الفراشات الزاهية ولِتُخرج الطيور من أعشاشها ولِتُحول كل شوكة جافة إلى زهرة جورية ولكنها هي ليست كذلك هي أعظم من ذلك بكثير هي أجلُّ من أن يصل لمعرفتها عقلنا القاصر..
سرَّ قلبه برؤية نور الشمس ومعرفته خرج من المسجد سار خلف النور رآه يدخل أحد المنازل، دخل خلفه رأى جنازة لامرأة مغطاة بقماش أبيض كبياض صحيفة أعمالها، لم يملك نفسه سلّم على آية الجمال ردَّ عليه بأحسن منه ثم قال له: لم أتعبت نفسك ولما هذا العناء والجهد والمشقة التي بذلتها للقائي لو أنك فقط عملت ما عملت هذه المرأة لأتيت أنا بنفسي إلى دارك لزيارتك، لم يجرؤ على سؤاله وماكان عمل هذه المرأة ولكنه وبعد قليل سأل أحد الحاضرين عند جنازتها عن ماعملته لتحظى بسعادة شرف الحضور عند جنازتها والصلاة عليها، السعادة التي لا تفوقها سعادة في هذا الزمان..
أخبَرَني أنها لم تخرج من باب دارها لمدة سبع سنوات إذ إن الشاه قد منع الحجاب في زمانها، والنساء المحجبات حتى لو خرجن في منتصف الليل إن قُبض عليهن ضربوا وأُهينوا ونزع عنهم الحجاب فهذه السيدة الجليلة صارت حبيسة دارها رعاية للستر والحجاب.
والآن ياسوسن هل لن تبالي إن عيّرك أحدهم بعباءتك المتوارثة من قيم سيدة النساء ووجهك الشاحب الخالي من مساحيق التجميل؟؟
لاشك أنني من الآن وصاعداً لن أدخل في دوامات الصراع بين قلبي وعقلي، بين المنطق والشرع وبين العولمة الغربية الهادفة لسحق المبادئ الأصيلة.
قبل ساعات معدودة عجزت وأنا آتي بأدلة وبراهين لإقناع قلبي إذ إننا نختلف في وجهات النظر ولكنه يرى بأننا في صراعٍ داخلي، حينها بعين العقل قلت: أنا أعلم أنك ترغب في أن يراني الجميع بأجمل صورة فجمال القلب لن يجزيك عن جمال القالب الساحر للعيون لا أخفي عليك حتى أنا حينما أتزين وأتبرج وانظر إلى وجهي في المرآة يروقني ذلك فبذلك لا أعجب إن سولت النفس الأمارة بالسوء شراك فخاخها بمن يفوقك علماً دون تطبيق العمل فكيف بك.
لاشك لي ياعقلي بأنك تأثرت في المرأة المتبرجة التي شاهدناها في الأمس المغرورة بما وضعت من مساحيق التجميل وبسيرها على (الستايل المودرن) ووضعها من زجاجة العطر الفاخرة الثمينة متفاخرة بما استحوذت عليه من إعجاب الرجال من حولها لها وتوددهم إليها متناسية أن كل نظرة تحصل عليها إنما هي سهم من سهام ابليس في جسدها حتى يسقطها في قعر جهنم، ولكني لا ألومها بقدر ما ألوم والديها وإخوتها وزوجها، أليس فيهم ذرة من الحمية أو الغيرة؟؟
ألم يسمعوا قول الرسول أن الديوث لايشم ريح الجنة، أولا يعلم زوج الكاسية العارية أنه المنعوت بالديوث؟؟
حسناً سأسألك، إن عدوك طلب منك أمراً أتنفذه أم تحذر من تنفيذه؟ لاشك أنك ستتوخى الحذر من مكائده فكيف بك إن أخبرتك أن أعدى أعدائك هي نفسك التي بين جنبيك..
إذاً يافؤادي كما أن لكل شئ حدود ومسموحات وممنوعات فهي كذلك للزينة فحدك دارك ومحارمك، واحذر من التدرج بالوقوع في الحرام فلا شك أن شيطانك لن يأمرك بنزع العباءة لكنه سيخطط لأن يجعلك بعباءتك اضحوكة فالخطوة الأولى هي تضييقها لتبرز المفاتن ثم يأتي بعد ذلك تساؤل: كم أن وجهكِ شاحب، لا مانع من وضع القليل من (الفونديشن والتونر) وهكذا وهلم جرا والحبل جرار.
فزينة المرأة حشمتها ووقارها وعفتها وخدرها فعليها أن تكون الجليلة للأجانب والجميلة لزوجها فإن وصلت لهذه المنزلة فهي امرأة لا تقدر بثمن فكيف أنسى قول صادق الآل وهو يبين صفات خير النساء قائلاً: خير نساؤكم العفيفة الغلمة، فالعفة واجبة للنساء كوجوب الماء للحياة ولكن المرأة العفيفة لا يشترط فيها ان تكون ساذجة أو معقدة أو متخلفة بل بالعكس يجب أن تكون غلمه وهي التي تفقد زوجها صوابه حين ينظر إليها من شدة جمالها وأناقتها وتغنجها.
إذاً ياقلبي فلتجعل قاعدتك الثابتة أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة ولا يخدعنك قول أحدهم لك أن العمل الحرام أمر عادي، فأكثر الناس تقوم به والله يقول لك أن أكثرهم لا يؤمنون وأكثرهم لا يعقلون وأكثرهم لا يوقنون.
إن الأقلية هم الناجون يوم القيامة في ذلك اليوم الذي هو كخمسمئة ألف عام من أيام الدنيا فذرهم ولو بقيت وحيداً فريداً فلك بسيد شباب أهل الجنة أسوة حسنة.
ولكن كل هذه الكلمات لم تقنع قلبي فقد كنت أسير في طريق خاطئ في إصابة الوتر الحساس للاقناع إلى أن ومضت في فكري أن من يأسر الفؤاد هو من سيصلحه..
ولكن الآن كيف التصبر عن من بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، ما باليد حيلة أمام ألم الإشتياق إلا بلسم قول الإمام غاية الطالبين والسلطان المأمول الصبح المسفر والصمصام الأكبر صاحب الزمان بقية الله في أرضه أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء: لو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليُمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا.
بما أن قلبي وعقلي كانا في اختلاف أو صراع وجمعهما حب الإمام، إذاً لاشك أن فضلنا حبه وشوقه على كل شيء، ستستطيع القلوب على الإجتماع وسيتحقق الوعد الإلهي بظهور الشمس المنيرة من خلف السحب.
اضافةتعليق
التعليقات