من المعلوم علم اليقين لدي جميع المسلمين أنّ رمضان شهرٌ تفضّل الله به على الأمّة الإسلامية، نهاره صيام مفروض، وليله تطوع منشود، لحظاته كلها يتوجب اغتنامها، فضائله كثيرة.
خابَ وخسر وانسلختْ من يده فرصة ذهبية ربّما لا تُعوض من أدركَ رمضان ولم يُغفر له ذنبه وينظر الله له بعين الرحمة، لا أُنكر أنّ رمضان في هذا الزّمان مجرّد من روائحه الظاهرة، وربما هذا لاضمحلال الدين الّذي يحصرونه كلّ برهةٍ في المسجد، ولكن روائح رمضان الداخلة والباطنة ما زالتْ موجودة لم يُرفع منها شيء.
لذلك سنسلّط الضوء في هذا المقال البسيط على بضعة أمور يجب على الفرد المسلم تجنّبها في رمضان، لن نتطرق للأمور الّتي يعلمها الجميع من عدم الجماع والطعام، ولكن سنتحدث عن أمور تستهلكنا وأوقاتنا باستدراج دون دراية بأنها تأخذ منا أوقاتاً ثمينة ما كان يجب تضييعها.
ثمانيةُ أشياء تجنّبها في رمضان:
تجنّب النّوم الطويل
في العادة يَسهر النّاس ليلاً إلى وقت السحور سواء من أجل أعمالهم أو من أجل السهر، ثم يتناولون طعام سحورهم ويلتجأ قسمٌ منهم إلى ربه حتّي يصلي الفجر، ويلتجأ القسم الآخر إلى سريره مُضيّعاً بذلك صلاة الفجر الّتي قال في سنّتها رسول الله صلي الله عليه وآله سلم "ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها"، ينام من نام فلا يستيقظ سوى ما بين الظهر والعصر أو ربما بعد صلاة العصر، فلا يشهد من يومه سوى القليل قبل أذان المغرب، يفطر على آذان المغرب وتبدأ سلسلة أخرى متشابهة من الأشغال.
لو حسب الشخص لنفسه ثماني ساعات -كحد أقصى- بعد صلاة الفجر لاستيقظ على صلاة الظهر، فلا تجعلوا النوم يسرق أعماركم في غير رمضان فضلاً عن استراق أوقاتكم في رمضان.
تجنّب الإنخراط في مواقع التواصل الإجتماعي
الجميع يعلم أن مواقع التواصل الإجتماعي تستهلك الأوقات دون إخطار، ونحن اتفقنا أن رمضان شهرٌ خاب فيه من ضيّعه، فانظر لمدى استفادتك من مواقع التواصل الإجتماعي ومدى تضييع أوقاتك الثمينة دون هدف ثم حدد هل ستظلّ هكذا أمام شاشة الهاتف أم ستفِيق من هذه الغفلة.
كذلك الجلوس أمام التّلفاز للساعات الطوال لمشاهدة الأفلام والمسلسلات الهابطة الداعرة الّتي تُبطل صيام المرء وتجعله مجرّد رقم في سلسلة المسلمين الصائمين لا يرتقي صومه لقلبه وروحه، فابرأ بنفسك عن هذه المهازل ولا تفتن نفسك وتفتن أسرتك في تلك المسلسلات الّتي لا غاية لها سوى إفساد صومك سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
تجنّب قراءة القرآن
لا تتعجّب من هذا العنصر، نعم تجنب قراءة القرآن على عجل وأنت تتسارع لتنهي أكبر قدرٍ ممكن في دقائق قليلة، فهذه القراءة لن تكسر الغشاء المحاط بقلبك، ولن تنظف الصدأ الّذي امتلأ به قلبك، فاقرأ بتأني وحاول أن تفهم، فكلّما فهمتَ كلّما ازددت قرباً من الله وامتلأت روحك بشرابها المفضّل، وتغذّت فلا تجوع على عرض من الدنيا، الله عزّ وجلّ قال لنبيه في كتابه الجليل "وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا"، اقرأ قراءة بيّنة واضحة بتؤدة وطمأنينة كي تحصد من ثماره وتستمتع بجماله.
تجنّب مجالسة النّاس
اقتضت غريزة الإنسان علي أن يكون مُجتمعياً يُصادق البعض، ويُحادث البعض، ويُشارك البعض مواقفه وحكاياته، ولكن هناك أحاديث ومُجالسات مع النّاس تطول بشكلٍ لا إرادي، وربما إرادي مُبالغ فيه، فبعد صلاة العشاء ربّما تجتمع مع أقاربك فتنهي الليل بأكمله، فلا الليلة ستعود ولا أقاربك سيقدمون لك شيئاً يُنقذك يوم القيامة، أنا لا أقول أن تقطع رحمك، بالعكس فديننا أمرنا بصلة الرحم فضلاً عن صلتها في شهر رمضان ذو الفضائل والكرم، ولكن لا تجعل صلة رحمك تقضم حق نفسك الّتي يجب عليك إنقاذها من المهالك في رمضان، خاصّة الأصدقاء والأشخاص الّذين نستمتع بالوقت معهم، أو ربّما يسوّل لنا الشيطان أننا نستمتع بالوقت معهم في أوقات الطاعة كي يلهينا عن الغرض الأسمي من اغتنام الأوقات. كما ينبغي علي المرء إن جالس النّاس أن يُمسك لسانه عن الغيبة والنميمة كي لا يَضيع صيامه سدى، فربّ صائم ليس له حظٌ من صومه إلا الجوع والعطش.
تجنّب الأسواق
وهي بغيضة لما فيها من ربا وأكل للأموال وكذب وغش وخداع وغيره، فإن دخلت السوق فلا تُطلق لوقتك العنان ولا تعود إلّا واليوم ينتهي، فالسوق يستدرج الوقت ويقتل اليوم دون أن يشعر به المرء، واحذر الكذب لأن تكسب نقوداً أو تشترى شيئاً.
تجنّب عقوق الوالدين
تذكّر دائماً أن الله قرن طاعة الوالدين بطاعته فقال سبحانه في كتابه الجليل: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، فشأن الوالدين عظيم، وطاعتهما واجبة، وعقوقهما مجلبة لغضب الله وسخطه، وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث آيات لا يقبل واحدة منها بغير قرينتها، وذكر منهم "اشكر لي ولوالديك"، فلا تجعل صومك لا يتجاوز رأسك بسبب عقوقك لوالديك، والتمس لديهما الرضا كي يرضى الله عنك ويتقبّلك.
تجنّب أوقات الفراغ
لا تجعل من أوقات فراغك فراغاً حقيقياً يستقرّ داخل قلبك فيوهنه ويستهلكه، اجعل أوقاتك كلها مليئة، فإن وجدت وقتاً فارغاً فافتح مصحفك وإن كنت قد أغلقته منذ بضع دقائق، أو أغمض عينيك واذكر الله، أو اصنع شيئاً مفيداً، فمن الغفلة تضييع الأوقات في عمرك بأكمله فما بالك بتضييعها في الأوقات الثمينة.
تجنّب الإفراط في الطعام "الشّبع"
إذا أتي وقت الإفطار فتناول طعامك بهدوء وطمأنينة، لا تأكل كمن سوّل له شيطانه أن يأكل بشراهة لأن الوقت القادم هو وقت الإمتناع عن الطعام، لا تتعامل مع رمضان على أنّ هناك قوة "الله" تمنعك عن الطعام عنوة فتحاول أن تستزيد من الطعام في الأوقات المباحة، وكأنّك لصّ خرج في الليل مستخفٍ وعاد تائب النهار.
فالإفراط في الطعام يورث الأمراض والكسل والبلادة ويعمي القلب ويجلب المعاصي وحبّ النوم.
لا تغتنم رمضان بكل ما أوتيت من قوة فقط، وإنّما اغتنمه بكل ما أوتيت من قوة وما تستطيع أن تختزن من قوة، الله ألقى أمامك ورقة رابحة في لعبة أوراقها معدودة وأنت لا تعلم بها، ربّما تكون هذه ورقتك الأخيرة، وربّما ليست الأخيرة ولكن القادمة لا تعلم كيف ستكون فيها، ربّما عندما تأخذ الورقة القادمة تكون ضعيفاً ولا تستطيع استخدامها، فأنت الخاسر في هذه اللعبة إن لم تستغل الورقة وتوظّفها بأفضل مكان كي تكسب، فضلاً عن أن الله بجوارك وهو من أمهلك وأعطاك الفرصة، فحقاً إن لم تغتنمها ستخسر خسراناً ستندم عليه طيلة حياتك في الدنيا وفي الآخرة وحينها لن ينفع الندم!.
اضافةتعليق
التعليقات