ذات يوم جاءني صديق قديم، ومعه رجل في الأربعينات من عمره قائلاً: "صاحبي هذا يعاني مشكلة غريبة قد يكون لها ارتباط بالسحر، فهو لا يدخل في عمل إلاّ ويفشل فيه، حتى بات معارفه يضربون به المثل قائلين إنه صاحب "معجزة معكوسة" إذ لا يضع يده على الذهب إلاّ ليتحول تراباً، ولا على العمارة الا لتصبح خراباً، ولا على الزرع إلاّ ليتحول يباباً. فكم من أعمال تجارية ناجحة دخلها وخسر فيها!".
فسألت الرجل عن رأس ماله، فتبين أنه قد ورث من أبيه مبلغاً كبيراً جداً من المال، وهو وإن كان قد خسر معظمه، إلاّ أن ما بقي لا يزال كثيرا.
ثم سألته عن الأعمال التي دخلها، وخسر فيها لأعرف إن كان يختار الأهداف الخاطئة، فتبين انه على العكس كان صاحب اختيارات جيدة لأنها نجحت بالفعل مع الآخرين..
وبعد حوار طويل معه، اكتشفت مشكلته الرئيسية، فهو وإن كان يختار الأهداف الصحيحة، ويستخدم وسائل جيدة، الاّ انه لم يكن يمتلك الطريقة الصحيحة في العمل، فقد كان مثل المزارع البسيط في قرية أفريقية، الذي يزرع الأرض قبل أن يفكر من أين يأتي بالماء الذي يسقيه به، ولا كيف يحصد المحاصيل، وأين يبيعها...
إنّه ببساطة لم يكن يخطط لأعماله، قلت لصديقي: مشكلة صاحبك ليست بحاجة إلى فك السحر لحلها، بل هي مشكلة شائعة لدى كثيرين، وحلّها بسيط.
فقال الرجل: اتقصد أنها بالفعل بسيطة؟
قلت: نعم، ولكن بحاجة الى الإلتزام.
قال الرجل: إنني مستعد.
قلت: مشكلتك أنك لا تخطط لأعمالك، وهذا كل شيء.
قال: لا أعرف كيف أخطط لها.
قلت: استنجد بالخبراء، وإذا لم تجد شركة خاصة تقوم لك بالتخطيط فلا بد أن تشكل فريقاً خاصاً بك ليخططوا لك. ثم لا بد أن تلتزم بخطتهم تلك...
شكرني على ذلك، وذهب... بعد خمس سنوات وفيما كنت احاول شراء قطعة سجاد صناعي، ورأيت أن شركة الرجل هي أفضل الشركات في تجارة السجاد الصناعي.
وعلمت في ما بعد أنه اصبح فعلاً واحداً من التجار الكبار في فترة قصيرة من الزمن.
التخطيط للعمل يعزز فرص النجاح فيه، فأي مشروع يقوم على تصور مسبق يصبح سهل الإنجاز..
ألاّ ترى أن شركات المقاولة تقوم بوضع كافة التفاصيل للمشروع قبل أن تبدأ بعملية البناء، بل إن بعضها لا يكتفي بذلك، وإنما يصنع مجسماً صغيراً له قبل بدء العمل فيه؟.
لقد ثبت أن التخطيط الجيد يشكل خمسين في المائة من تحقيق العمل، كما ان إهمال التحقيق يؤدي ليس فقط إلى الفوضى وضياع الجهود. بل إلى الإهمال والتسويف ايضاً.
يقول الإمام علي (عليه السلام): "التدبير قبل العمل يؤمنك الندم" (تحف العقول/ص70)، اذ يعد التخطيط استشراف للمستقبل، وتبصر يقوم به العقل ليبين للعاملين مسالك الطريق.. ولأن النجاح هو تحقيق الأهداف الحاضرة في المستقبل، فإن التخطيط جزء اساسي للنجاح، لأن الشعوب التي تعرف كيف تخطط وكيف تبرمج، وكيف تنفذ هي صانعة الأمجاد.
اضافةتعليق
التعليقات