عندما نتحدث عن التخصص الدراسي فنحن نتحدث عن موضوع شائك معقد وعند كثيرين هو موضوع كبير جداً، موضوع فاصل بين السعادة والشقاء يضع حياتهم على المحك، ودعني أؤكد لك كشخص تخرج للمرة الثانية أنهم مصيبون ومخطئون في الآن ذاته، فاختيار تخصص يناسبك بإمكانه أن يحييك كما حصل حين اخترت الصحافة، واختيار تخصص ليس بقريب عن ميولك واهتماماتك قد يجعل حياتك عبارة عن تحدي مستمر كما حصل حين درست الهندسة وميولي أدبية، لكن الحياة لا تتوقف عند أي تخصص أنت تسلكه، وقد لا يرتبط عملك بما تدرسه مطلقاً - وهو ما حصل معي - ، الدراسة شيء وميادين العمل شيء آخر.
فالدراسة الأكاديمية في تخصص ما مثلاً كالصحافة أو الهندسة - أتحدث عنهما لأني أعرفها يقيناً - ليست كافية لممارسة المهنة، فأنت على الأقل بحاجة إلى عامين من البرامج التدريبية المكثفة لكي تكتسب الحد الأدنى من المهارات الأساسية في سوق العمل، وكل ما تدرسه قد لا يفيدك مباشرة لكنه يغير من طريقة تفكيرك، فللآداب طريقة تفكير مختلفة عن العلوم وعن الهندسة وهكذا، وطريقة التفكير هي أغلى ما تكتسبه من أي دراسة.
لكن ومع ما تقدم دعني أخبرك لماذا عليك أن تختار التخصص الذي يناسبك وليس الذي يناسب والديك أو أولاد عمك أو ابن الجيران أو المؤثرين في يوتيوب، وانتبه جيداً أنني قلت "يناسبك"، ولم أقل "تحبه"، ولكن هل تعرف ما الذي قد يناسبك؟
- الحياة أقصر من أن تتحمل تخصصاً لا يشبهك، ومشاكل الحياة كثيرة وإن كنت منعماً، لذا لا تضف إليها المزيد باختيارك تخصص لا يناسبك.
- لا تظهر كلمة الحلقة الأخيرة عند استلامك شهادة التخرج، الحياة تستمر إلى ما بعد ذلك، إن كانت الدراسة غير مناسبة لك، فعلى الأرجح العمل غير مناسب أيضاً، وستعيش معه طويلاً، ولدينا أساساً الكثير من الناس التي تكره أعمالها وليس في المكان الذي يشبهها، لطفاً لا تكن منهم، هذا العالم قد اكتفى من الإحباط والضياع.
- يمكنك أن تعمل في مجال آخر لا يرتبط بتخصصك، ولكن لماذا تسلك ذلك الطريق الملتف وتتكبد كل هذا العناء؟ هل تحقد على نفسك؟ دراسة ما تحب هو تذكرة تسهيل دخول إلى المجال المناسب لك.
- سنوات بدايات عشريناتك سنوات جميلة لن تتكرر، طاقتك، أفكارك، شغفك بالحياة، تشعر أنك ستكون حياً للأبد، وأنت مالك للدنيا وما فيها بين يديك، لا تفسد هذه الأيام بالحزن والغم، ومحاولة فهم ما لا تطيقه، كأنك تأكل السمك الذي لا تطيق وأنت في أفخم أزيائك في أسعد حفل يفتزض أنك تحضره في حياتك، هذا أمر قاسٍ لكي تفعله بنفسك.
- وجودك بين أساتذة وزملاء في تخصص يناسبك يطور سمات تتلاءم والمجال الذي أنت تسير فيه، ويمنحك شعور بالإنتماء، وهذا أعظم ما يشعر به الإنسان، أنت لا تقاتل لكي تكون مفهوماً، أغلب من يحيطون بك يفكرون بنفس طريقتك، وينتمون إلى عالمك، ويرون ما لديك من خصائص وميزات ويقدرونها ويشجعونها، وجودك بين أوساط بعيدة عنك تجعل من مزاياك عيوباً.
- لن تكون الدراسات العليا موضوعاً تنفر منه. في وقتنا الحالي البكالوريوس لم يعد كافياً، حدة المنافسة تشتد في جميع المجالات، وإن كان تخصصك مناسباً لك لن تود أن تتوقف عن دراسته، تريد أن توسع معارفك فيه باستمرار كأنك تخوض حواراً رائقاً مع من تحب لا تريد له أن ينتهي.
- ستكون قادراً على رؤية النصف الممتلئ من الكأس حتى في أحلك الظروف لأنك أنت من اختار بعد بحث وفحص، لا أحد للومه، ولا يوجد ما تلوم أحد عليه.
حياتك هدية من الله لك، لذا كن حصيفاً في التعامل معها حتى مع أبسط دقائقها، وإن أنت أهملت حياتك، فمن سيهتم بها؟
اضافةتعليق
التعليقات