مستلقية في فراشها تنتظر أن تغفو عيناها. لكن هيهات! كيف يمكن أن تغفو عيناها وقلبها قد تم تقطيعه إلى أشلاء؟ لا فهذا ليس ممكناً، ظلت تفكر وتفكر وعيناها لا تكاد تكف عن النحيب، امتلأ وجهها الناعم بدموعٍ تكاد تحرقهُ، خصلات شعرها متناثرة حولها، لقد عملت الوسادة كل ما في وسعها كي تنشف دمع ياسمين، لكن دموعها كانت سريعة الجريان حتى بللت قطعة من ثوبها، كيف يمكن للبشر أن يهينوا من كرامتها كامرأة؟ وأنى لهم أن يجرؤوا ويمسوا مشاعرها اللاهفة.. كيف يمكن لهم أن يقطعوا نياط قلبها هكذا وبلا أي شعور بالذنب؟ ظلت تفكر وتفكر إلى أن اُرهقت كل أعصابها، هي لا تكاد تشعر بيديها وهما ترتجفان تحت الغطاء.. لا يُدرى أهي ترتجف من البرد أم من الصدمة التي تكاد تهز كل كيانها.. اُجبرت أجفانها على السكون لأنه لم يعد في بدنها أي مخزون من الطاقة للتحمل أكثر من كل هذا الألم.
عند الصباح فتحت ياسمين أجفانها المتورمة من البكاء، ولأول مرة بعد مدة طويلة تسمع صوتاً يأتي من سماعة المسجد القريب من بيتهم، يا إلهي من هذا الذي يناديني في مثل هذا الوقت.. قد قامت الصلاة. قد قامت الصلاة. إنه صوت أذان الصبح، إنه نداء ربي يطلبني.. يا إلهي كم جنيت على نفسي وحرمتها في كل هذه المدة من تلبية ندائك والشعور بالطمأنينة عند الوقوف بين يديك.. ولأول مرة رفعت جسدها عن الفراش بثقلٍ، ثم توضأت وجلست على السجادة، يا إلهي أتقبل لفتاةٍ عاصيةٍ مثلي أن تقف في حضرتك وتكلمك؟. أتسمح لها بمناجاتك وبث همومها إليك؟. شَعرت بنسمةٍ من الرحمة الإلهية تلامس مشاعرها الجريحة وكأن الإله قد أذن لها بمناجاته وقال لها أقبلي...
أتمت صلاتها وبلا أي إذنٍ مسبقٍ منها تساقطت الدموع من عينيها منهمرة على وجنتيها وكأن دموعها تشرح حال حزنها للإله سبحانه، تذكرت يوم أمس وتذكرت ما قاله لها من ادعى أنه يحبها، عندما كان قد ذهب برفقة فتاةٍ أخرى وقال لها: أنتِ لا تساوين عندي أية قيمة.. أنا إنما أردت الاستمتاع بقضاء وقتي معكِ ليس إلا.. هكذا تركها على قارعة الطريق ورحل.. تذكرت بكاءَها في الليلة الماضية.. لا إنه لا يستحق دموعي تلك أبداً، هذا ما قالته.
لو كان يستحقها لما كان السبب في جريانها منذ البداية.. هذا ما أستحقه. وهذا ما قد جنيته من مشاهدتي لكل تلك العلاقات المحرمة في البرامج والتلفاز، حتى بتُّ أتوق لسماع أي كلمة حبٍ من رجل غريب، وكأن الحب لا يوجد إلا عندهم.. أم كأن الدنيا قد خلت من باقي العلاقات التي حللها الإسلام.. فبتُّ لا أستطيع التركيز على أيٍ من دروسي، حتى أخي ذلك الذي كان يكثر المزاح معي دائماً ويلاطفني بكلماته. لقد أهملته بسبب كثرة انشغالي بمشاهدتي للأفلام التركية والهندية والغربية إلى أن فقدت كل حيائي وأصبحت على علاقة مع عددٍ من الشباب فأذهب مع زميلات السوء كل يومٍ للتسول معهم في الطرقات والمقاهي.. نعم التسول.
هذه هي الحقيقة.. عندما كنت أستجدي المحبة من قلبه إلى أن تركني هكذا على قارعة الطريق عندما تعرف على تلك الفتاة ابنة ذلك التاجر الثري.. أنا لا أساوي عنده أية قيمة.. هذه هي الحقيقة المرة. فهو لا يهتم إلى أيٍ من أحاسيسي، هو لا يهمه سوى المال وكيفية بعثرته وقضاء وقته في المقاهي برفقة إحدى الفتيات للعب بها وبأحاسيسها ليس إلا.. هو لا يستحق أيٍ من مشاعري الصادقة..
هذه هي الأشواك الناعمة التي تصاب بها الفتيات وتنخدع بمظهرها وملمسها الناعم غافلة عن أنها مجرد أشواكٍ لصيد براءتها بمكرٍ وخديعة، وهذا هو ما وصلت إليه نتيجة مشاهدتي للأفلام التركية والهندية وغيرها التي لا تهدف سوى إلى بث الخيانة والخبث بين الناس.. كل هذا الألم حكته دموعها على السجادة، فغسلت دموعها قلبها الصادق ذاك وعزمت من حينها على عدم العودة لمشاهدة أيٍ من البرامج التي تعرض العلاقات المزيفة والخيانة فيما بينهم.. نعم فهي ليست إلا علاقات مزيفة خالية من أي حب صادق في داخلها.
وقد أثبتت الدراسات العلمية أن متابعة التلفاز وسائر المقاطع المصورة في الأجهزة الأخرى ولو لمدة قصيرة من الزمن تجعل العقل تلقائياً يدخل في حالة تشبه حالة النوم فتسبب له خمول في الجسد والشعور بالتعب والكسل، فإن من يدمن مشاهدة الأفلام المصورة من الأفلام الهندية والتركية وغيرها من الأفلام التي جاءت لفساد المجتمع تسبب له ضعفٌ في التركيز والشرود الذهني وضعفٌ في مستوى الذاكرة بملئها بمعلوماتٍ لا فائدة منها وتعلم أخلاقٍ وعاداتٍ مخالفة للأخلاق المحمدية من الصدق والوفاء والإخلاص التي حث عليها الإسلام.
وقد أكد الكثير من علماء النفس على أن من يدمن مشاهدة برامج كهذه تسبب له الشعور بالوحدة والانطوائية مما يؤدي إلى اكتئاب نفسي وتقلباً في المزاج. كما وتسبب الأرق في الأعصاب كذلك فإن أكثر المدمنين على مشاهدة أفلام كهذه يعانون من ضعف الأعصاب الذي يسبب لهم زيادة الانفعال والغضب وتضعف قدرتهم على اتخاذ القرارات الصائبة حينها.
فإن من يريد أن يكون شخصاً ذا قيمة في المجتمع، يمتلك شخصية قوية ومثقفة لا تهزها العواصف من الأحداث والظروف يجدر به أن يقطع من مشاهدته لتلك البرامج. وعند فتح التلفاز أو الأجهزة الأخرى حدد ما تريده من فتحها لا أن تفتح أي مقطع معروض في الصفحات أو أي موقع يعترضك في طريقك وبهذا تكون قد قويت إرادتك على القيام بما تريد من أهداف لا أن تكون أسيراً في يد جهازك وأسيراً لتلك الأفلام الهندية والتركية التي تفرض ثقافتها علينا وبلا أي اختيارٍ منا نستجيب لرغباتها، وكن على يقين آنذاك بأن الله سبحانه وتعالى سيعوضك من خيراته بكل ما ترغب به نفسك.
زد في علاقتك مع أقاربك وزملائك الصادقين معك في الدراسة والعمل وإذا ما أرادوا المساعدة فلا تقصر فهذا سيشعرك بالطمأنينة والإحساس بالذات التي تمتلك القيمة الحقيقية في المجتمع، كما واجعل لنفسك هدفاً في الحياة واشغل نفسك بالعمل على تحقيقه وهذا ما سيجعل منك إنساناً ناجحاً في الحياة. وتكون قد تخلصت من أسرك لمتابعة كل ما هو معروض من مشاهد غير لائقة في التلفاز والبرامج الأخرى وأصبحت إنساناً مفيداً للمجتمع لا علّةً عليه.
اضافةتعليق
التعليقات