تتصفح الفيس بوك كل يوم في ساعة متأخرة من الليل بعد انتهائها من الدراسة ومشقة يوم طويل قضته في التركيز على المحاضرات ومناقشة الاساتذة والزملاء وقضاء وقت لا بأس به مع الصديقات المقربات ليسردن على بعضهن حكايا الامس، فهناك من رافقت والديها لزيارة الاقرباء واخرى ذهبت للتسوق ومن خرجت في نزهة وو…
استقطعت حديثهن قائلة: انا لا اُتعب نفسي بالخروج وقت فراغي بل اهرع لفتح حسابي على فيس بوك والاستمتاع بتبادل اللايكات والكومنتات والتعرف على اصدقاء جدد يثيرون فضولي واعجابي، تعالت اصوات قهقهاتهن فالبعض مؤيد والبعض ساخر وحذر.
اعتادت على التواصل مع بعض الاشخاص وتطورت العلاقة بينهما بالاندفاع عاطفيا الى الاتصال وارسال المقاطع الصوتية بغية الاطمئنان والتواصل، حتى وقعت في فخ احد قراصنة الشبكة العنكبوتية وفوجئت بنهاية الامر برسائل تحتوي من احدهم تحتوي على بعض صورها الخاصة جدا التي التقطت عبر جهاز حاسوبها وهي لاتعلم، احست بالذعر والذهول وهي تسأله: كيف لك ان حصلت على هذه الصور؟! اجابها بسخرية: أنا "هاكرز" وخبير في برامج الحاسبات، واكمل قائلا: عليك الاتصال بي وفتح الكاميرة وتنفيذ كل ما اطلبه منك والا ستكون صورك غدا تتصدر اعلى نسبة تداول عبر مواقع التواصل الاجتماعية، سأنتظر اتصالك.
طلب منها ذلك وهو على يقين بانها لن تخضع لطلبه ولكنه حبّذ ان يجرب وقال في نفسه ان رفضت سأبتزها بدفع مبلغ كبير من المال ولن اخرج خاسرا..
جنّ جنونها وما عادت تستبين امرا ولا تستوضح فكرا قضت الليل جاثية على ركبتيها غارقة في بحر من الدموع والالم والخوف من صباح آت يحمل معه خبر نهايتها المجهولة، اشرقت الشمس ولا زال الظلام يستوطن روحها البريئة وعيونها الجميلة التي توّرمت واحمرّت من شدة البكاء وانهارت قواها وهي ترتعش كسعف النخيل في يوم عاصف، واذا بصوت رسالة قد وردت، اشاحت بالنظر الى مؤشر الشاشة وهو يضيء وينطفئ كل ثانية كدقات قلبها المتضاربة وما كان عليها سوى الاستعداد لرؤية ما تحتويه الرسالة، اقتربت من زر الفتح وهي في قمة الهلع متضرعةً الى الله بالتوسل والرجاء على ان يشملها برحمته ويخلصها من هذه الكارثة، ضغطت عليه وكأنها تضغط على زناد بندقية ستخرج منها رصاصات الغدر لتقتلها وتصيب ذويها بجروح لن تشفى…
فتحت الرسالة وكان مضمونها يحتوي على خيط امل عسى ان ينقذها مما سيحصل لاحقا، وكان المضمون: (كنت اعلم بانك لم ولن تنفذي ما طلبته منك هكذا امور تصعب على فتاة واعية حسنة التربية والدين مثقفة وجميلة من عائلة راقية ومعروفة لها مكانتها بين الناس لذلك اشفقت عليكِ وغيرت طلبي _وكتب لها رقما كبيرا من المال_ وخلال ٤٨ساعة القادمة انتظر منكِ تسليمي المبلغ مقابل اتلاف الصور وخلاف ذلك سأنشرها واكتب عليها ما يحلو لي…).
اسرعت مهرولة لتحدث والدتها بما جرى وهي تذرف بدل الدموع دما وتعجزعن الاسف والاعتذار، انكسرت الام واصيب الاب بالخذلان وقرر بيع كل شيء يمتلكه ليدفع المبلغ ويسافروا بعيدا للنجاة بابنتهم وسمعتهم التي تكاد تذهب في مهب الريح… وخلال يومين انتهى كل شيء، حصل القرصان على النقود وأتلف الصور واتلف معها مستقبل الفتاة والعائلة على امل ان يتحسنوا لاحقا…
يلجأ الكثير من المبتزون وضعاف النفوس من الشباب المنحرف الى استغلال الوضع النفسي للفتيات واغراقها بالكلام المعسول والوعود الكاذبة لتقع في الفخ ويتم تسجيل المكالمات ومقاطع الفيديو والتقاط الصور لاستخدامها وسيلة للضغط على ان تجبر في النهاية للرضوخ لمطالبهم الجنسية والمادية…
سهّل العالم الاكتروني جريمة الابتزاز لتصبح تجارة رائجة ووسيلة للانتقام بين الشباب والفتيات ولم تقتصر عليهم فقط بل طالت حتى اصحاب العلاقات العامة كعلاقات التواصل الانساني والعمل والزمالة بسبب سهولة الوصول الى خصوصيات الآخر عن طريق بعض البرامج التي تمكّن اي شخص من الحصول على المعلومات الخاصة بالضحية واستغلال التقنية الحديثة وتطور البرامج كبرنامج "الفوتو شوب" الذي يعد من اخطر البرامج ضررا حيث يقتبس صورتك او جزء منها كالوجه مثلا ويتم قصّه ولصقه على صورة اخرى قد تكون صورة لامرأة غير محتشمة او في مكان غير لائق التواجد فيه وغير ذلك من الخدع الكثيرة…
لاتكمن المشكلة فقط على سهولة التواصل وكثرة البرامج وتوفرها بل تشكل طريقة تعامل الاسر مع ابنائها في المغالاة والتشدد بغية حمايتهم من دون اظهار العاطفة والحب لهم مما يكون سببا كافيا يدفعهم الى تعويض النقص لديهم.
يجب على الاسرة مناقشة الموضوع مع المراهق وتوعيته وتدريبه على كيفية التعامل مع العالم الالكتروني للحفاظ على عرضه ودينه، وما ان تكتشف بأن المراهق يسيء استخدام موقع التواصل فيستوجب عليك حينها التفكير بطريقة سليمة لمعالجة المشكلة وعدم الشروع بمعاقبته وتوبيخه او ابتزازه كما يفعل البعض من اقرباء المراهق فهذا الاسلوب غير مجد في زماننا او فرض رأيك عليه من اول مرة دون النقاش والتقرب اليه بشكل ودي يعمل على احتوائه وتطمئنته لكي يتحدث بلا حرج وخوف ويستقبل الحديث الذي يبين مدى خطورة التعامل مع هذا الموقع والمشاكل التي ستنتج عنه واقناعه بشكل مبسط وخلاف ذلك سيدفع المراهق الى رد فعل عنيد والتعامل بسرية اكثر وبالتالي تتفاقم المشكلة.
ان هذا الموضوع موضوع خطير وشائك، لايمكن اختزاله في عدد من السطور ونحن في امس الحاجة الى طرح دراسة معمقة وبحث جدي وشامل يستعان فيه بذوي الاختصاص من مثقفين واجتماعيين وخبراء التكنلوجيا ليكرّسوا خبرتهم بوضع توصيات وقوانين جادّة قابلة للتنفيذ على ارض الواقع تنتج عنها ما نطمح اليه للحفاظ على ابنائنا وتنشأتهم نشأ صحيحة لمستقبل افضل.
اضافةتعليق
التعليقات