الطلاق قرار يتخذه أحد أو كلا الزوجين يقضي بفسخ عقد الزواج وانفصالهما، وتغيير أدوار ومسؤوليات كل منهما في حياة الآخر، وقد يكون القرار صعباً ويُصاحبه العديد من التأثيرات الجانبيّة التي تُغيّر حياة جميع أفراد الأسرة خاصة عند وجود الأطفال -وهو موضوعنا- لكنه أحياناً يكون صائباً ويُحقق الاستقرار والتوازن الأسري من جديد، ومهما بدت أسباب انفصال الأزواج مبررة، يظل الأمر صدمة مؤلمة للأطفال حيث يرون فيه انهياراً لعالمهم. وبغض النظر عن مشاعر الغضب أو الحزن لدى الزوجين.
نظراً لأن الأطفال يعتمدون على الوالدين في شعورهم بالأمان، فمن الطبيعي أن يشعر الطفل بالخوف أو الارتباك عندما يرون أن والدتهما أو والدهما يتألمان بسبب حدوث الانفصال، كما قد يتعرض الأطفال للاضطراب وتشتت الانتباه بشكل متزايد نظراً للتحديات الجديدة، فعندما يفشل الآباء في توضيح سبب تغير مشاعرهم تجاه بعضهما وسبب حدوث هذه التغيرات الضخمة، فغالباً ما يُسيء الطفل تفسير ما يحدث، فقد يبدأون في افتراض أنهم تسببوا في الطلاق، أو قد يُطالبون أنفسهم بتحمل مسؤولية محاولة لم شمل والديهم.
قد يعود الأطفال الصغار إلى السلوكيات التي كانوا قد تجاوزوها في السابق، مثل التبول أثناء النوم أو الرغبة في الحصول على مصاصة أو تعرضهم لنوبات الغضب، قد تلاحظ أيضاً أن طفلك قد يُبدي قلقاً أو اضطراباً مُبالغ فيه عند انفصاله أو ابتعاده عنك.
معاناة الأطفال بعد الطلاق
الطفل يكون بأمان، عندما تكون البيئة التي ينشأ بها صحيّة وخاليّة من النزاعات والخلافات، ويهتم كلا الأبوين بسعادة أطفالهما؛ بحيث يتناوبان رعايتهم وتوعيتهم، والعمل يداً واحدة من أجل مصلحتهم ومستقبلهم
ولكن عندما يقرر الآباء الانفصال بسبب فتور العواطف بينهما؛ فإن الطفل لا يكون بأمان، تكون الصدمة عليه كبيرة، وكأن العالم انقلب رأساً على عقب، وهذا يتوقف على عمر الطفل، وطريقة الانفصال.
الانفصال أو الطلاق خطوة صعبة تؤثر كثيرا على الأبناء من الناحية المجتمعية والنفسية، وله أضرار كثيرة على الأطفال وحتى الشباب، وأكدت آخر إحصائيات 2020 أن أعداد صكوك الطلاق والمنفصلين ارتفعت بنسبة 96.7 %، ما يعتبر مؤشرا غير مرغوب به في مجتمعنا، وهنا نتساءل لماذا هذا العدد؟ ولماذا يكون الانفصال في صدارة حلول المشاكل الزوجية؟
وتشير الدراسات إلى أن الطلاق يمكن أن يكون مدمرا بالنسبة للأطفال، تماما كوفاة أحد الوالدين، ولكن كل هذا يتوقف على الطريقة التي يدار بها الوضع، كما أن الأمر أكثر خطرا على الأولاد من البنات، لأنهم أكثر صعوبة في تقبل الأمر.
وأهم الآثار التي يتركها الانفصال هي:
عدم الطمأنينة
إن أكثر فئة متضررة من انفصال الوالدين هم الأطفال الأقل من 15 عاما، حيث يصابون بصدمة كبيرة تؤثر عليهم من الناحية الاجتماعية، ويشعرون بالضياع، ودائما ما يشعرون بالقلق وعدم الطمأنينة لفقدانهم العيش بين والديهم. لوم الوالدين وأن الطفل يشعر بعدم الارتياح في الأماكن العامة، خاصة إن رأى أفراد العائلات مع بعضهم البعض، فيشعر بالنقصان، كما أن انفصال الوالدين يؤدي إلى زعزعة الثقة لدى الأبناء، ويلقي بعض الأطفال باللوم على الأم أو الأب، وتصل إلى حد الكراهية أحيانا، كما يصبح البعض عصبيا نوعا ما، ويتحول إلى إنسان انفعالي، ويضعف لديه الاتصال الاجتماعي مع الناس والمجتمع، ويصبح ضعيفا في التواصل مع الآخرين، حتى إنه قد يصبح شابا عديم العاطفة، ويرفض الزواج في المستقبل لتخوفه من تكرار المشاكل التي دارت بين والديه.
انحرافات سلوكية
وتتحدث الأخصائية النفسية رانيا أبو خديجة عن الوضع النفسي للأبناء بعد انفصال الوالدين، فتقول: الانفصال من أكثر المشاكل انتشارا في المجتمع، فتتزايد الأعداد يوما بعد يوم، ما يؤثر بشكل عام على المجتمع، وبشكل خاص على الأسرة والأبناء، فالشباب يدفعون ضريبة صعبة بسبب الانفصال الأسري، وأبرز الانحرافات السلوكية التي تظهر على الشباب نتيجة الانفصال هي في المخدرات والمشروبات الكحولية، واضطرابات السلوك، والقلق والاكتئاب.
أزمات صحية
ذكرت العديد من الأبحاث والدراسات وأكد الكثير من الخبراء أن معايشة الشباب للمشاكل المتعددة بين الوالدين، وكذلك الطلاق، يؤدي إلى إصابتهم بالعديد من الأزمات الصحية، سواء المتعلقة بالجانب النفسي أو العضوي، وأبرز ما يتعرض له الشباب حال انفصال الوالدين من اضطرابات صحية هي: الصداع الدائم واضطرابات النوم التي تتنوع بين الأرق والنعاس على مدار اليوم، والتوتر والقلق الدائمين، والشعور بالخوف من كل الأحداث التي تدور حولهم، وفقدان الشهية والضعف والتعرض إلى النحافة وسوء التغذية، وفي بعض الحالات قد تتفاقم الأزمة النفسية لديهم، ويدخلون في حالات اكتئاب شديدة وحادة.
علاقة ود
هذا ما نراه يوميا في العيادة النفسية، ويكون سببها انفصال الوالدين أو كثرة المشاكل بينهما، وعلى الرغم من خطورة تأثير الطلاق على الأبناء الشباب أو الأبناء بشكل عام، فإن بعض الآباء والأمهات نجحوا في أن يمر الطلاق بسلام على أبنائهم دون أن يترك أي آثار سلبية على صحتهم أو سلوكهم، لذلك فلا بد أن يحافظ الأب والأم على علاقة الود والاحترام مهما كانت درجة الخلاف بينهما، وأن يخضعا لرغبة الأبناء، سواء مَنْ يريد البقاء مع الأم أو الأب، وأن يكون هناك تواصل مستمر بينهما لتوحيد المعاملة، ولتوجيه الابن إلى السلوك القويم والأخلاق الطيبة.
الدعم العاطفي يحمي الأطفال من آثار طلاق الوالدين
أكد الأخصائي الاجتماعي د. جاسم المطوع، أن هناك عدة أمور يجب مراعاتها عند الطلاق؛ تجنبا للآثار النفسية التي قد تصيب الأطفال؛ جراء انفصال والديه، وأوضح أنه لا بد أن يكون أسلوب التفكير المتفائل للوالدين عاملا أساسيا في مساعدة الطفل لتقبل فكرة الانفصال، وتجنب أنماط التفكير الكارثي التي تفترض أسوأ الاحتمالات في كل الظروف، وأن يكون الأطفال أكثر صمودا وأقل توترا عندما يكون النزاع بين والديهم هادئا، وعندما يخرجهم الطلاق من بيئة مليئة بالصراعات لبيئة أخرى هادئة، فمن المهم أن تحمي طفلك من الدخول في النزاعات قدر الإمكان، سواء قبل الطلاق أو بعده.
وأوضح أن على كلا الوالدين الاستمرار في الاستماع إلى الطفل والمشاكل التي يواجهها، وتوفير الدعم العاطفي، والمساعدة في القضايا اليومية، والحفاظ على الحدود والقواعد المتفق عليها معه، والاتفاق على ما هو مسموح وما هو ممنوع في تربيته.
وذكر أنه من المهم اتباع منهج مستقر ومتسق بين الأبوين في تربية الطفل أثناء وبعد الطلاق، فالانضباط الأبوي المتواصل مهم لأنه يضمن حدودا واضحة لا تختلف اختلافا كبيرا بين الأسر، فلا يسمح الأب بشيء وتنهي الأم عنه، ولا العكس أيضا، ومن المهم أن يدعم الآباء سلطة الطرف الآخر، وعدم الاستهزاء أو التهاون بها، والحفاظ على الروتين للأبناء قدر الإمكان، حتى في أوقات الاضطراب والتوتر. وقال إن الأطفال الذين يحصلون على الدعم ممن حولهم من الأسرتين هم الأكثر قدرة على التكيف مع تغيرات الطلاق، ولا بد من خلق مساحة خاصة بهم في كلا المنزلين؛ حتى يشعروا بالخصوصية والانتماء للمكانين.
اضافةتعليق
التعليقات