كانت عقارب الساعة تتراقص في حلبتها، معلنة الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة، تهيأ سعيد للخروج متوعداً بقضاء بعض الأعمال المتراكمة، ارتدى معطفه الأزرق الأنيق، ومد يده نحو المشط في حركة معتادة؛ تخترق متاهات شعره الغزير، لتصففه من أعلى الجبهة متمايلاً ناحية اليسار في حركة جميلة.
ودعته ندى بابتسامة لطيفة؛ ارتسمت على شفتيها زاحفة نحوه كهجمة مرتدة؛ تلقتها حاسته السادسة.
عقصت شعرها الوفير الذي هيجه المساء, ثم انشغلت بعدها بأمور المنزل، مفعمة بنشوة الصباح؛ تجاري جيوش الشمس الدافئة التي اجتاحت دهاليز البيت فوق أحصنة السلام معلنة بداية يوم جديد.
انتهت من آخر اللمسات المعتادة قرب الظهيرة نظرت إلى الساعة بعين شاكية، لقد تأخر كثيرا!!
تقافزت حول الأفكار كلاعب الحبال البهلوانية تتعثر بها واحدة تلو الأخرى حتى حل المساء،
وأخيرا دقت أسماعها طرقات الباب مصدرة تمايلاً وتيراً بين الغضب والشعور بالإرياح.
اتجهت ناحية الباب، فتحته وراحت تحدق في وجهه بتجهم:
هل تعلم كم الساعة الآن؟! ست ساعات أين ذهبت؟!
نظر لها بغرابة:
أوه حقاً.. لم أنتبه أبداً! كانت لدي الكثير من الأعمال.
تراكضت الكلمات تسطر العتاب وكأنها تتسابق للوصول:
لكنك قلت أن لديك عملاً صغيراً! هل استغرق عملك الصغير ست ساعات؟
أجاب بهدوء:
لم أشعر بالوقت، ما كنت أتصور أنه سيستغرق كل هذا!
_ ما هذا الكلام الغريب؟! لماذا لم تتصل؟!
تحرك الدم من كل أطرافه طافراً لرأسه المشدوه:
_ لماذا علي أن أتصل بك؟! إنني هنا الآن أمامك!.
قداسة الزمان:
تختلف الموازين القياسية للوقت عند كل من المرأة والرجل، إنها تنتبه لمروره أكثر، هذا نابع من ذاتها وطبيعتها.
كثير من الأحيان يشعر الرجل بأنه لم يمض وقت طويل، بينما تقول المرأة أن الأمر طال.
كانت والدتي تقيد مواليدنا وهي تحفظها جميعا؛ ليس قليل عدد النساء اللواتي يحفظن مواعيد الزواج والأعياد والمناسبات.
إنني لا أشك أنك تذكرين آخر مرة قمت بزيارة طبيب الأسنان، أو ذهبت إلى المدرسة للقاء مدرسي الأولاد، حتى أنك تذكرين آخر زياراتك لصديقاتك واحدة واحدة.
تفيض المشاكل بين المرأة والرجل بسبب عامل الوقت؛ مثل:
- التأخر.
- عدم الإهتمام بالأمور التي تم الإتفاق عليها مسبقاً.
- عدم الإخبار بتغيير بعض البرامج كعدم إخبار المرأة بالإنشغال في عطلة نهاية الأسبوع.
- نسيان المناسبات كأعياد الميلاد وغيرها.
- الإختلاف حول أي المناسبات تحظى بأهمية لإحيائها.
التكوين الجسدي:
الطبيعة الجسدية للمرأة ترتبط وثيقا بعامل الزمان؛ حيث تخضع لإيقاعة شهرية بانتظام تجعل عادة الحساب عندها لا تتوقف أبداً.
بل تبرز باهتمام أكثر في دوامة حياتها عندما تخوض معترك الحمل الهائج, وهي تعد الأسابيع والشهور بانتظار مولودها الجديد.
بعد قدومه تحسب الساعات لتنظيم رضعاته ناهيك عن مواعيد زيارة الطبيب وتنظيم الطعام
وحمام الطفل وأشهر اللقاح..... الخ.
هذا الإهتمام يساهم في تكوين بعض نقاط الإختلاف بين المرأة والرجل.
فهو الذي لا يعلم بمدى اهتمامها يتصور كثيرا من تصرفاتها بأنها غير قابلة للإحتمال، بل هو في حيرة من هذه الطاقة الغريبة؛ حتى أنها تغيضه في أكثر الأحيان عندما تقوم بتصحيح خطئه.
مثلاً عندما تقول له: مضى وقت طويل على خروجنا للتنزه، يجيبها: إننا خرجنا قبل مدة سوية، فتقول بطمأنينة: ليس قبل مدة بل قبل شهرين، أذكر ذلك بدقة؛ جاءت أختك لزيارتنا في اليوم الثاني وقد فرح الأولاد جداً.
هذه الميزة تجعل آدم يظن أن النساء مخلوقات عصبية، مزاجية، سلطوية، تحاول السيطرة
والنفوذ، فهي تراقب بمنظار كل تحركاته، لتأمره وتنهاه في كل الوقت.
هذا الإنعكاس يُحزن حواء ويُشعرها بعدم التقدير، تخاطب نفسها:
لماذا استاء مني؟! كنت فقط أحاول المساعدة!.
هذا الإحساس نابع من الصميم حقاً، فهي لا تمثل أبداً دور رب العمل الحاكم، قد تبدو الأمور هكذا، إلا أنها تقوم بعملها فحسب.
تنظر المرأة لدوامة الزمان بنحو من القداسة والتقدير، يجعلها لا تضيع حساباتها، لهذا تجدها تهتم لكل ما يرتبط به حتى لو كانت تحية الصباح والمساء؛ إنها لا تبحث عن عشق الرجل في هذه الكلمات بل تحتفل بيوم جديد تعيشه جنباً إلى جنب مع زوجها وفي أسرتها، إنها حقاً ناجحة في عملها.
ألق عليها تحية الصباح بحرارة وبارك بعملك هذا المجهود والعمل العظيم الذي تقوم به إنها حقا رائعة.
إنهن هكذا بطبعهن المرهف، يشعرن بدقة الزمان، هذا التوجه كقدرتهن على منح الحب والحنان، نابع من الذات التي فطرن عليها، وكم أجاد الشاعر عندما قال:
سافرت في بحر النساء.. ولم أزل - من يومها - مقطوعة أخباري.
اضافةتعليق
التعليقات