في فترة الحمل أو الرضاعة، التي تستمر لعامين أو ثلاثة على أقصى تقدير، لا بد أن يظهر تساؤل هل يمكنني تناول الأدوية في فترة الرضاعة؟ توجد أربع من بين كل خمس أمهات جدد في الولايات المتحدة يرضعون أطفالهن، طبقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
ونصف هؤلاء المرضعات، أي حوالي 1.5 مليون امرأة سنوياً، سوف يتناولن أحد الأدوية، وفقاً للتقرير المنشور في صحيفة The New York Times الأمريكية.
وعلى الرغم من حقيقة أنَّ أعداد النساء المرضعات تتزايد كل عام، لا نملك سوى القليل من الأدلة العلمية المتماسكة حول عدد الأدوية التي تؤثر على الرضاعة الطبيعية والأطفال الرضع، وهذا طبقاً لما قالته الطبيبة كاثرين سبونج، رئيسة قسم طب الطفولة والأمومة في المركز الطبي الجنوبي الغربي بجامعة تكساس.
وتقول الدكتورة سبونج إنَّ الحوامل والمرضعات يستبعدن من التجارب السريرية للأدوية خوفاً من الأضرار المحتملة.
وهذا في الحقيقة يأخذنا إلى معضلة وهي أنَّ أكثر من يحتاجون إلى هذه الإجابات يستثنون من الدراسات التي قد تقدم لهم الإجابات اللازمة.
وتكون النتيجة أنَّ بعض النساء يمتنعن عن الرضاعة كلياً في الفترة التي يتناولن فيها الدواء، أو يقررن الامتناع عن تناول بعض الأدوية الضرورية تماماً، وفقاً للطبيبة كريستينا تشامبرز، الحاصلة على درجة الدكتوراه وأستاذة طب الأطفال في جامعة كاليفورنيا: «إننا نسمع هذه القصص طوال الوقت».
ندرة المعلومات
بعدما وضعت جيسيكا كورنبرغ وال من مدينة أوستن في ولاية تكساس ابنتها بعد ولادة متعسرة في الشهر الثامن، لم يستطع أحد من أطبائها أن يخبرها يقيناً أي من الأدوية الثلاثة التي كانت تتناولها سيجعل حليب ثديها الذي تقدمه لابنتها غير آمن.
وكانت هذه الأدوية عبارة عن مضاد اكتئاب مثبط لامتصاص السيروتونين والنورابينفرين، وعلاج لضغط الدم، وعلاج الغدة الدرقية.
تقول كرونبرغ متحدثة عن طفلتها الوليدة:
«كانت بالكاد تزن 1.5 كيلوغرام، ولم تكن تستطيع التنفس وحدها»، مضيفة: «كنت أقول لنفسي، ما الذي أضعه في جسدها؟ لكن لم تكن هناك إجابة لدى أحدهم، كان الأمر غريباً ومحبطاً».
مرت جامي إروين، وهي أمٌّ لطفلين في مدينة ماريتا في ولاية جورجيا، بإحباط مشابه، عندما قال لها الأطباء إنَّها تحتاج للتوقف عن إرضاع ابنتها حتى تتمكن من علاج عدوى عنيفة في المجرى البولي عن طريق برنامج من المضاد الحيوي الدوكسيسايكلين مدته 60 يوماً.
وقالت: «لم يكن هناك من البحث ما يكفي ليجعلهم يقولون إنَّ الأمر آمن». قال الأطباء إنَّها يجب أن تُرضع طفلتها ذات الستة أشهر صناعياً وتدأب على عمليات «ضخ وتفريغ» الحليب من ثديها لمدة شهرين، لتحافظ على إمداداته لديها، وكل هذا وهي تستمر في رعاية طفلها الأكبر الذي يبلغ عامين.
ترأست دكتورة سبونج فريق عمل في عام 2017 لمراجعة الأبحاث الموجودة حول استخدام العلاج أثناء الحمل والرضاعة، ووجدت النتائج التي نُشرت في عام 2018 «معلومات محدودة» عن الأدوية والحمل، وذلك حسب تعبير دكتورة سبونج، وأضافت أنَّه كانت هناك معلومات أقل بكثير بالنسبة للرضاعة.
الأدوية في فترة الرضاعة والبحث العلمي
فمثلاً من بين المنتجات الطبية والأدوية التي أجازتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في الفترة من بين 2015 إلى 2017، التي كان عددها 575، لم يكن سوى 15% منها تحتوي على معلومات تخص الرضاعة. قالت دكتورة سبونج:
«كان ملحوظاً بالنسبة لكل من كانوا في فريق العمل تقريباً ندرة المعلومات حول النساء المرضعات».
في شهر أبريل/نيسان نشرت سبونج مع زميل لها مقال رأي في دورية The New England Journal of Medicine العلمية، أشارا فيه إلى أنَّ هذه المشكلة تنبع جزئياً على الأقل، من نقص التمويل المخصص للبحث العلمي.
فمثلاً في عام 2017 خصَّصت المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية، وهي وكالة خدمات صحية، 92 مليون دولار، أي 0.3% من الميزانية للأبحاث التي تتناول الرضاعة. مقارنة بذلك، أنفقت الوكالة ما يقرب من 6 مليارات دولار على أبحاث السرطان، و1.1 مليار دولار على أبحاث مرض السكري في العام نفسه.
تقول دكتورة سبونج إنه على الرغم من أن البحث في السرطان والقدم السكري أمر مهم بلا شك، فهما يحتلان المركز الثاني والسابع على الترتيب بين الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة أو العجز في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن النساء المرضعات الأمريكيات، اللاتي يزيد عددهن عن 3 ملايين امرأة، يحتجن إلى أولوية هن أيضاً.
ما هي الأدوية الآمنة؟
يقول الدكتور توماس هيل، الحاصل على درجة الدكتوراه، وأستاذ طب الأطفال في مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس للتكنولوجيا، والمدير المشارك لمركز InfantRisk، وهي مؤسسة بحثية رائدة في مجال سلامة الأدوية أثناء الحمل والرضاعة الطبيعية، إنَّ الباحثين في دراسة الأدوية، يتناولون جسد الإنسان على هيئة أجزاء منفصلة مختلفة مثل جزء المخ، وجزء الكبد وهكذا.
في حين أنَّ الخبراء لم يختبروا سوى أقل من 400 نوع من الدواء من بين آلاف الأدوية المتاحة في السوق، فيما يتعلق بكونها آمنة لاستخدامها أثناء الرضاعة، يعرف الخبراء معلومات عن كيفية تعامل الجسم مع هذه الأدوية.
لدرجة تكفيهم ليتوقعوا الكمية التي ستصل إلى حليب الثدي، وتؤثر على الرضيع. بالنسبة لمعظم الأدوية، وطبقاً للأبحاث الموجودة، يمكن لأقل من 3% من جرعة الأم الوصول إلى حليبها. وقال دكتور هيل: «من المحتمل أنَّ الغالبية العظمى من الأدوية آمنة تماماً للاستخدام مع الرضاعة لكن بجرعات معتدلة».
بعض الأدوية تتطلب حذراً أكثر من الأخرى
في معظم الحالات ستجد أنَّ الأدوية المجازة بالفعل للأطفال مثل الأسيتامينوفين (تايلنول)، والإيبوبروفين (أدفيل) أو بعض المضادات الحيوية مثل الأموكسيسيلين ستكون آمنة أثناء الرضاعة.
ويقول هيل الأمر نفسه ينطبق على الأدوية الموضعية مثل استخدام البنزويل بيرأوكسيد لعلاج حب الشباب، أو استخدام دهان يحتوي على الستيرويدات للسيطرة على طفح جلدي.
لا يدخل من هذه الأدوية إلى مجرى الدم سوى قدر ضئيل أو لا شيء على الإطلاق، وبالتالي لا ينتقل إلى حليب الثدي.
هناك أدوية أقل تقع في خانة الأدوية غير الآمنة. أحد أخطر هذه الأدوية طبقاً لهيل هي تلك التي قد تتسبب في آثار جانبية خطيرة حتى في الجرعات الموصى بها مثل العلاج الكيماوي وبعض الأدوية الإشعاعية.
يجب توخي الحذر عند استخدام المهدئات مثل مضادات القلق:
ألبرازولام (زاناكس)، أو الديازيبام (الفاليوم)، ومضادات القيء مثل البروميثازين (فينريغان)، والعلاجات التي تساعد على النوم، لأنَّ هذه العلاجات قد تتسبب في مشكلات بالغة لدى الرضع من حيث النعاس والدوخة والتنفس. يقول هيل إنَّه إذا كان صغيرك معرضاً لنوبات انقطاع النفس، تجنبي العلاجات المهدئة كلية.
يشير هيل إلى أنَّه على الرغم من الآثار المهدئة للجرعات الكبيرة من المواد الأفيونية وقدرتها على التسبب في مخاطر للطفل، يمكن لمعظم النساء تناول جرعات أقل من المواد الأفيونية لمدة تصل إلى 3 أيام إذا استلزم استخدامها لتسكين آلام ما بعد الولادة.
ومن الجيد أيضاً تجنب شراء أدوية الإنفلونزا والحساسية التي تسبب النعاس وتُباع في الصيدليات دون الحاجة لوصفة طبيب لأنَّها تحتوي على مضادات هيستامين التي يمكنها أن تسبب أيضاً دواراً مثل كلورفينيرامين (الموجود في دواء Advil Allergy Sinus)، ودايفينهيدرامين (الموجود في أدوية Benadryl Allergy، وVick’s ZzzQuil)، ودوكسيلامين (الموجود في Unisom). إذا كنت تحتاجين علاجاً من الحساسية فالاختيار الأفضل هو مضادات الهيستامين غير المهدئة مثل السيتريزين (الموجود في دواء Zyrtec)، واللواتادين (الموجود في دواء Claritin)، والفيكسوفينادين (الموجود في دواء Allegra).
ماذا عن موانع الحمل؟
وبالنسبة لتنظيم النسل، تقول الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال حالياً إنَّ كل موانع الحمل الهرمونية آمنة على الأطفال، لكن تلك التي تحتوي على الإستروجين مثل مجموعة من حبوب تحديد النسل (Loestrin، أو Seasonique أو Yaz)، أو الحلقات المهبلية (NuvaRing) أو لصقات تحديد النسل (Xulane)، قد تؤثر على إمداد الحليب.
أما الحبوب التي تحتوي على البروجستين وحده مثل Camila أو Micronor، فهناك احتمالية أقل لتأثيرها على الرضاعة.
وتنصح الأكاديمية الأمريكية لطبّ الأطفال النساء المُرضعات اللاتي يردن استخدام أي نوع من موانع الحمل الهرمونية بالانتظار حتى تستقر الرضاعة الطبيعية في الأسابيع الستة الأولى.
وأخيراً تنصح دكتورة سبونج بعدم تناول المنتجات العشبية المطروحة في السوق لتحسين وفرة الحليب، مثل الحلبة، أو السلبين المريمي وغيرها. وقالت:
«لا يوجد دليل قوي على أنَّها فعالة حقاً». ولأنَّها لا تخضع لتنظيم صارم من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مثل الأدوية، فلا يمكنك افتراض أنَّ هذه المنتجات تحتوي المكتوب عليها بالضبط.
قلما ما تتفاعل الأدوية مع بعضها، لكن اتصلي بالطبيب إذا لاحظتِ أنَّ هناك دواء ما يؤثر على طفلك، مثل زيادة النوم والنعاس، أو البكاء غير المحتمل، أو الإسهال، أو الطفح الجلدي.
سد الثغرات
بعد أن تلقَّت كرونبرغ وال نصائح متضاربة من مقدمي الخدمات الصحية، انتهى بها الأمر تجري بحثها الخاص في المكتبة.
وما يثير الدهشة هو أنَّها حصلت أيضاً على نصائح طبية متماسكة. واقترح أحد رواد Reddit أن تناول الأريثروميسين لمدة 6 أيام، بديل مناسب لشهرين من الدوكسيسيكلين الذي أوصى به طبيبها في الأساس، وافق طبيب المسالك البولية على هذا.
وعلى الجانب الآخر، اتجهت إروين يائسة لموقع Reddit، آملة على الأقل في إيجاد ما يدعمها لتنتقل إلى الرضاعة الصناعية، في الوقت الذي تتعالج فيه من عدوى المجرى البولي.
لكن رغم ذلك لم تُنصح بالرضاعة الطبيعية أثناء تناوله، لكن طبيب الأطفال منحها التصريح، مشيراً إلى أنَّ هذا الدواء يُستخدم مع الأطفال.
أنتج الفريق البحثي لجامعة تكساس تطبيقات هاتفية تقدم معلومات عن مكونات الدواء، ومدى أمانه في فترة الحمل والرضاعة. وتقدم المعاهد الوطنية للصحة موقعاً وتطبيقاً مجانياً على الهاتف، يلخص التأثيرات المعروفة لدواء ما في فترة الولادة والرضاعة.
في تلك الأثناء، يجري كل من دكتورة تشامبرز ودكتور هيل دراسات تحلل لبن الثدي من النساء المرضعات اللاتي يتناولن أدوية معينة ليريا الكمية التي تمر من هذه العلاجات إلى الحليب.
وفي النهاية، ورغم عدم تأكدهما اختارت كلا من إروين وكرونبرغ الاستمرار في الرضاعة الطبيعية أثناء تناول الأدوية. وقالت كرونبرغ إنَّها وزوجها قررا أنَّ الفوائد الكثيرة للرضاعة الطبيعية بالنسبة لابنتها، التي أصبحت الآن طفلة جميلة تتعلم المشي، تفوق أي أخطار محتملة من التعرض للأدوية.
وقالت كرونبيرغ: «اتخذت أفضل قرار أمامي في هذا الوقت بالمعلومات التي تمكنت من الحصول عليها، وحتى الآن هي في أفضل حال». حسب عربي بوست
اضافةتعليق
التعليقات