يروي أحدهم؛ كنت أتبضع في السوق إذ لمحتُ طفلة تقف بجانب أمها المنشغلة وتحتضن لعبة جميلة جداً كادت تخترق صدرها من شدة الشغف، تهدهدها تارة وتُغنّي لها أغنية لتنام تارة أخرى. لم يسعفني صمتي حينها، ف سألتها من بعيد ما اسم لُعبتك؟! فأجابت؛ هي ليست لعبة إنما ملاكاً.. فأنا لدي الكثير من الألعاب في المنزل لكنني لا أنسجم معهم كثيرا، هذه تختلف عن الجميع لذا أحملها معي أينما حللت حتى أصبحت صديقتي المقربة، ملاكي.
ثم سألتني؛ ماذا عنك هل لديك دمى في المنزل هل لديك ملاكا؟ فأجبتها لا أملك الإثنان، الدمى للصغار وليست لنا يا صديقتي الصغيرة.. فقالت؛ قد لا تحتاج للدمى كثيراً ولكنك بحاجة لملاك في حياتك، فتقول أمي لكلٌ منّا ملاكاً في هذه الحياة أو ربما ملائكة ولكن أكثرنا لا يعلم أين مكان تواجدهم، لذا عليك أن تبحث عنهم لتجدهم وتحافظ عليهم.
أمسكَت بيد والدتها ورَحلَت وهي ترمقني من بعيد وتقول بإبتسامة نضرة: إن ملاكي معي دائماً.
تصنّمتُ في مكاني مندهشا، تطايرت من عقلي موجات أسئلة متلاطمة، ماذا لو أننا جميعاً كهذه الطفلة، ماذا لو أن الحياة برمّتها هكذا، تدور بين لعبة الملائكة والدمى..
نكدّس بعضهم لأي سبب كان ونستثني منهم ملائكتنا التي تحمينا وتكملنا وتبقينا بأمان.
أكملتُ طريقي بِخُطى متوترة أرنو لنقطة بعيدة محاولاً لإسترجاع تركيزي، متمتماً بقلبي؛ ماذا عني هل كنت ملاكاً لأحدهم أم هل لدي ملائكة، ملاكاً يستمع لقلبي قبل أن يتفوه فمي ولروحي قبل أن ينبض قلبي، يجيبني عندما أحتاج ويسندني عندما أميل ويقيمني عندما أُعوج..
هل لديّ من لا أمُلّ من رفقته ولا تضنيه رفقتي، هل لديّ الشخص الذي لا يملأ فراغه أحد، من يتودد لقربي بلا مقابل يُذكَر..
توقفتُ عن المسير، جلستُ بهدوء أُعيد النظر على كياني، على من ملأوا حياتي بأي صنف هم؟ تملّكني الخوف والقلق ولكنّي بهذه اللحظة وجدتّ أسماء كثيرة تحوّط جنّة حياتي قد يشبهون الجميع ولا يشبههم أحد، لا ثياب بيضاء عليهم ولا أجنحة تطوقهم ولكن قلوبهم، أرواحهم تُزهِر من النقاء واللطافة والصدق، لم أكلُّ يوماً عن حديثهم ولم أملُّ عن رؤيتهم ولم أعجز عن حملهم بقلبي أينما حللت، لم يكونوا البشر الدمى الذين يكسرون القلوب وينتهزون البشر ويشوهون النفسية ويخلفون الخراب بعد رحيلهم، إنما من صنعوا بحياتي جنة عقيب هذا الخراب وأقاموا جدرانه.
ابتسمتُ مطمئناً حين تذكرت ملائكتي، أي أمانٍ يُخلف هذا الإحساس، أن يكون لديك ملاكاً تحمله معك أينما حللت ولو بقلبك..
أكملت مسيري قائلاً؛ أنا أيضاً لديّ ملاك.
اضافةتعليق
التعليقات