سيتركوني لوحدي، اولئك الذين نهشوا لحوم الناس بحضرتي من غيبة ونميمة.. و ربما أعنتهم على ذلك بتأييدي او بصمتي الاخرس عن الحق حينها !
ومن أعانني على الفسق الحلال، ذلك الحرام الذي احلّوه كما يريدون و بروزوه بقالب الحلّية كما يحلو لهم معلّقين ذنوبهم الملوّنة بأصناف الرذائل على شمّاعته ..
من رأوني على طريق الجهل الأعمى ولم يردعوني عن المضي فيه ..
من نصحني والّح بنصحي على ما يسوءني تاركاً نظافة الذمة و الضمير ..
سيتركوني لوحدي حين أنزل بحفرتي المستطيلة ذات اللحد الضيق و حين يأتيني الملكين عند المحاسبة الحتمية.. و حين يسكب على كامل طولي الحميم الحارق أثر الذنوب المشتركة معهم، حينها لا ينفع الندم و لا لوم النفس او تأنيبها ..بل سيكون شغلي الشاغل هو الحسرة و النشيج اللامتناهي على ضياع نفسي ..
و لكنه سيكون هناك حتماً، ربما سيمسك بيدي ايضاً منذ اللحظة التي تلتف الساق بالساق و تَنزع الروح نفسها من الجسد،، سيصّد النار عني بل سيقف لهيبها إجلالاً لعظمته ويبقى نوره شفيعاً معي بكل مراحل البرزخ ليوصلني بسلام الى نعيم الجنان ..
كانوا يقولون بأنها لم تعرف من هو الحسين، فقط كانت تذهب مع زميلتها التي تعرّفت عليها للتو لمجالسه، حتى تضيف الى رصيد ثقافتها شيئاً جديداً، وفي المقابل لم تكن تستهين بقدر المولى او برواية عاشوراء واحداثها الدامية، بل كانت تلطم صدرها بوقار حينما يلطمون و تبتّل عينها احياناً حينما ينعى الناعي مصائب عاشوراء و تستر شعرها وجسدها بالكامل حينما تحضر للمجالس احتراماً لقدسية المكان، واستمرت بذلك لأنها أحبّت روحانية المجلس و كأن حب الحسين كطمأنينة سرت في عروقها ..
الى أن رأت في احدى الليالي بمنامها.. و كأنما وقف بها تدفق الزمن و وصل المطاف لساحة المحشر و الناس حولها احزاب متفرقة، قسم يُعذّب، وبعضهم في راحة و كل أناس بإمامهم يُقادون، أما هي فأمرها كان غريب نوعاً ما، فحين يحين دورها في العذاب تأتي فوهة باردة تطفئ اللهيب و تمنعه عنها بكل مرة و صوت بعيد يدوي في مسامعها "هذا نعيم الحسين هذه بركات الحسين"..
افاقت من الحلم براحة غير مسبوقة بل ولم تستطع بأن تنبس بكلمة من فرط دهشتها المصحوبة بالفرحة، فهي لم تحتج حينها لمفسّر احلام، لأن رسالة الله وصلت إليها بالشكل الواضح، الحسين تقبل منها قليل ما قدمته بل و أنه أهداها صكّ الشفاعة و الأعظم من ذلك بأن الفرصة أمامها متاحة لتلتحق بالركب الحسيني المقدس ..
وغدت تردد مع ذاتها بتعجب.. اي كرم هو كرمك يا حسين، نهديك دموع معدودة و تهدينا محيط من الرحمة!
لطمت صدري لمرات معدودة و في المقابل جعلت صدرك لي حاجزاً أمام لهيب ذنوبي!
سأكون حسينية الهوى ما حييت حباً بك وبكرمك لا طمعاً بالثواب فقط ..
لم تكن تعتقد بيوم بأنها ستكون مع ركب الدين القيّم، فرفقة السوء و التنشئة الضالة التي مرّت بها و الذنوب المتراكمة واثر ذلك كان يصدّها عن طريق الحق ..ولكنها حين سمحت لذاتها بالتعرف على الجانب الآخر من الوعي السليم، دخلت بنفسها لبوابة النجاة غير آبهة لما سيقوله مجتمعها الضال عنها، بل و أنها قد تركت جميع الاشياء و الاشخاص الذين يربطونها بالرذائل فلن يرحل معها أحد سواها، ولن يدخل القبر معها سواها و سوى نتيجة اعمالها الدنيوية ..
سلامٌ عليك يا مولاي و على محيطك الواسع ذاك المحيط المقدس الذي ننهل منه الماء كلما عطشنا و يروينا بقدر معرفتنا لحرمتك و حقك .
اضافةتعليق
التعليقات