اليوم وعلى غير عادتي قررت ان اعطي بعض الوقت لي وان اترك العمل ومشاغلي على رف الانتظار ولو ليوم واحد، خرجت قبل موعدنا بساعة وابقيت سيارتي مركونة امام المنزل، اجل سأذهب مشياً فأنا لم اذهب لأي مكانٍ بدونها منذ سنة لا بل سنتين.
بينما كنت امشي كنت اراقب الاطفال وهم يلعبون تلك الالعاب الشعبية الجميلة ويرتدون اجمل ما عندهم من ثياب، وقد عُلِقت على جدران البيوت زينة العيد الجميلة، وصلت للحديقة التي تواعدنا أن نلتقي فيها انا وصديقتي التي لم أرها منذ ثلاثة اشهر..
جلست على احد المقاعد ورحت اراقب الناس والاطفال فقد كانت الحديقة مزدحمة نسبياً، كانت تلك الاجواء غريبة علي قليلاً فقد مضى وقت طويل لم اخرج لمكان عام من اجلي فقط، رغم تلك الاجواء لم استطع ان اخرج نفسي من دوامة العمل عدت افكر بالشركة من جديد واختفت ابتسامتي، ترى متى سيصل الطرد الذي انتظره من الخارج؟ من هي الموظفة التي ستحل مكان التي غادرت؟ هل انهى العمال ترميم مكتبي؟ ترى كم سيكلفني المشروع الجديد؟، فجأة تعالت اصوات الاطفال: اريد الحمراء.. انا اريد الزرقاء.. اجل اجل تلك.
رفعت نظري نحوهم كانوا يتجمعون حول صبي لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره.. بيده عشرات البالونات الملونة.. واكثر ما شد انتباهي له هو ابتسامته الصادقة التي لم تفارق وجهه سواءا باع أم لم يبع، كان يبيع البالونات بثمن بخس لكن كان يهدي اجمل واغلى ما عنده مجاناً للناس، أجل كان يبتسم، سرحت بينما كنت انظر إليه، كان يرتدي ملابس رثة بان عليها قدمها، وهو في وسط أقرانه الذين كانت تزينهم ملابس العيد..
كان يمسح العرق من على جبينه بين الفينة والاخرى وأهم من كل ذلك كان مبتسما.. تساءلت في داخلي يا ترى أي ظروف أرغمته على العمل بهذه السن وكم عدد الذين يعيلهم هذا الصغير.. وكم يجني من هذه البالونات.. وهل تكفي حقاً لسد قوت يومه.. ابتسامته تلك أهي حقاً ابتسامة رضا صادقة، رغم كل هذا ترى كيف يستطع أن يبتسم وكاهله مثقل بكل تلك الامور وانا ميسورة الحال ومنذ ان فتحت شركتي لم أحظَ بلحظة مرح ولم اشعر بالرضا رغم انغماسي بالعمل؟!.
قفزت جمانة بوجهي قاطعةً سلسلة افكاري ومعانقةً اياي بيديها الصغيرتين، قبلتها وسلمت على والدتها وروينا ظمأ اشتياقنا بعناق دام للحظات ثم جلسنا لنتبادل اطراف الحديث حتى جذبت جمانة اطراف ثوبي مناديةً: أريد بالوناً..
ذهبت معها لفتى البالونات الذي شغل تفكيري كي ابتاع لها واحدة.. استقبلنا الفتى بابتسامته العذبة التي تبعث الانشراح داخل من يراه.. القيت التحية وردها بأحسن منها، كانت جمانة مترددة بلون البالون الذي تريده فكلما اعطاها لوناً ارجعته وطلبت غيره رغم ذلك لم يضجر منها بل كان يعاملها بمنتهى اللطف، حتى استقرت جمانة على أن تأخذ البالون المرقط الذي في اعلى البالونات.. أنزله الفتى بصعوبة وناولها اياه.. وللحظة ودون سابق انذار.. افلتت البالونات من يد الفتى وطارت مبتعدةً عنه..
امتلأت عيناه بالدموع وهب نسيم الحزن كي يمحو تلك الابتسامة الجميلة التي كانت على محياه.. احسست بعمق الحزن الذي سكن تعابير وجهه فليس من السهل أن تفقد كل ما تملك في لحظة واحدة.. ظل ينظر للبالونات وهي تبتعد أكثر واكثر.. اندفعت قائلةً بحذر: كم هو ثمن البالونات التي في الاعلى.. تنهد الفتى ونظر إلي بحزن وقال: لكنها طارت!.
قلت له وإن، فأنا اريد أن اشتريها وهي في الهواء، قال لي بعدم رضا: لا فأنا لا اريد أن اخذ مالاً على شيءٍ لم أبعه، ولكن فقط بدافع الشفقة والعطف.. وبعد جدال والحاح مني قبِل أن يأخذ المال عندما اقنعته بأني كنت انوي أن اطلقها في الهواء بعد شرائها.. قلت له بعد ان اعطيته ثمن جميع البالونات: ارجوك لا تجعل تلك الابتسامة الجميلة أن تفارق شفتيك فإنها العيد بأكمله.. انا مدينة لك بابتسامتي شكراً لك.. نظر إلي باستغراب لكنه ابتسم..
علمني ذلك الفتى بأن اعيش الحياة لحظة بلحظة، أن ابتسم رغم كل ألم ورغم كل هم، علمني ان هناك ما هو اثمنُ من المال، فقد اشعل فتيل الامل لغدي، فمن تفاءل خيراً وجده.. وإن مع العسر يسراً.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2017-09-04
عاشت الأنامل الكريمة التي سطّرتها.
و نتأمل المزيد من هذه الكاتبة القديرة..
عراق2017-09-05