لم اتخلَ عن نوتاتي يوما لكن تركتها في سبات فقط، لأكمل رسالتي التي ارسلها لي الله على شكل فارس وستة ازهار.. احيانا لايعطينا الزمن تلك المساحة الكافية حتى لحلم وردي واحد ربما لأن الله احبني فابتلاني بمسؤولية كبيرة ..
اليوم وبعد مرور اربعة وعشرون عاما، تنظر مقلتاي شمالا ويمينا وانا اراقب ازهاري كيف كبروا وملؤوا البيت عبيرا،ضحكاتهم، كل شيء فيهم يدعوني للنظر للسماء ثم اردف قائلة: (الحمد لك يا الله)، ثم انظر لتلك النافذة التي امامي وخيوط الشمس تتسلل منها، تأخذني الذاكرة لأيام زواجي الاولى ..
ارتفعت الزغاريد من الحناجر والجميع يبارك الزواج، كل شيء داخلي مختل مابين ألم الوداع لعائلتي وكأنهم يقودوني نحو المقصلة لا نحو حياة جديدة واكمال نصف الدين، وما بين خوف الاختلاف وماذا لو.. راودتني افكار كثيرة ولكن سأتأقلم فأنا ابنة ابي التي طالما كانوا يعتمدون عليها..
اليوم وبعد مرور سبعة ايام _اي للعروس حق في احتفال السابع_، بينما كنتُ اراقب اغراض المنزل تخرج غرضا تلو الاخر على يد اخ زوجي، الرجل المتمكن الذي تلعب الاموال بين يديه وكأنها تداعب الريح، لكن كل ماقام به عندما انتقل من البيت أن أخذ كل شيء.. حتى تلك الاشياء التي بلا قيمة!.
حتى الآن لازلت اتذكر قدميه وهي تخطو نحو الحمّام لتحمل ذلك الاناء القديم الذي كنا نُسخّن فيه المياه، ثم تلاه المراوح وحتى خزان الماء، فالفراش ليصبح البيت خاوياً، يُسمع صوت الصدى فيه!.
كانت عيناي تراقب كل غرض يخرج وتصاحبه بدمعة كمنديل العرس ناعمة لاتجرح، جلستُ على ركبتَي، وضعت رأسي بين دفتي يدَي ثم نظرت للبعيد: يارب هل انا في حلم ام في حقيقة، وياليته كان حلما فبدل ان اكون في حفلة السابع من زفافي كنت جالسة اتنفس شهيقا مختنقا وكأنه غصة في ثنايا الحنجرة، اغمضت عيني لبرهة ثم وقفت على ناصية الحلم وتوكلت على الله، جردت غرفتي من اثاث العروس لأرسم للبيت روحا ثانية تتسم بالتوكل على الله، فلن يبقى شيء كما هو ..
ومن هنا بدأت رحلتي لأكون امرأة مسؤولة، جعلتُ لي وللأبرة احلاما لاتضاها والخيط يتراقص على اناملي وكأنه يقول:استمري ان الله معك، عملت في الخياطة، اقتصدت في كل شيء ورغم قلة المال لم ابخل يوما على احد ولم ارد شخصا سألني الحاجة، مرت بي لحظات اقسى من ان تذكرها الحروف او تصفها اغنية حزينة، فقط توكلتُ على الله ووجدت نفسي اخرج بكل قوتي من جديد.. وقفتُ على ناصية الحلم وقاتلت، ثم تعود بي الذاكرة الى اليوم ليقاطع صوت ابنتي افكاري، نظرت لها وللجميع، انا الان اسكن جنة الله؛ كربلاء،ولي من نعم الله مايكفي لأخِرَّ ساجدة كل يوم اشكره، فالغنى هو في الروح والنفس لا بكثرة المال، فحتما من نظر للمال انه السعادة فقط او من امتلكه الطمع خوفا من قلة امواله هو فعلا يبني لروحه حلما مهجورا ..
اليوم ذات الشخص الذي جردنا من كل شيء يعيش حياة اشبه بالحرمان رغم ما كان يملك من كثرة الاموال، هو الان يسكن في مكان صغير جدا لايسع الضيوف حتى، مازال ذاك الاثاث القديم يرسم الوحدة على جدرانه رغم من حوله،رغم انه كان يستطيع تحقيق اكبر الاحلام، وانا التي راقصت الابرة والخيط، اليوم انظر لزهوري وفارس بيتي كيف هم يعيشون حياة سعيدة رغم بعض العقبات لكن الحمد لله فشتان مابين اليوم والامس..
صدق الإمام الصادق عليه السلام عندما قال: "إن أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطمع عما في أيدي الناس"...
فالطمع يمحق البركة ويشعر النفس بحالة الفقر الدائم،الطمع صفة وضيعة، إذا أصابت الإنسان جعلته عبداً لتلبية هذه الحاجة أو تلك، وأسقطته من أعين الناس، لأن القلوب تتعلق بالمترفع عن ذلك، الذي يبذل ويعطي أكثر مما يسأل ويأخذ، والطمع إذا احتل القلب جعله مريضاً غافلاً، يسحق تحت أقدامه كل الصفات الإنسانية وهو يلهث وراء أهداف رخيصة سولتها له نفسه.
عن الإمام الكاظم عليه السلام لهشام وهو يعظه: (إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع من المخلوقين، فإن الطمع مفتاح للذل، واختلاس العقل، واختلاق المروات، وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم).
اما اليوم، الذاكرة تخبرني انني بحلم صغير انشأتُ بيتاكبيرا سعيدا ومن قطع وتين السابع بمال كثير لم يستطع حتى ان يُنشئ حلما صغيرا ..
حقا ان الله يقدم على قدر النوايا ومن يمتلكه الطمع تكسره الايام.. لذلك، اليوم ايقنتُ ان لكل حلم يوم ويتحقق فقط عندما نحارب في سبيله، فكما قال الشاعر: "قف على ناصية الحلم وقاتل"..
اضافةتعليق
التعليقات