الحديث يدور حول الصلاة في مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) وما فيها من دروس وعبر وإضاءات، وإشارات ودلالات.
وقد تحدثنا في ما سبق عن أن الصلاة هي طريق الرحمة الإلهية في هذه المدرسة المباركة، كما أشرنا إلى أن الصلاة في هذه المدرسة النبوية هي الأصل، وهي المحور الذي تدور حوله كافة نواحي الحياة، وليست أمراً كمالياً كما يتعامل مع الصلاة الكثير من الناس.
فإن الكثير من الناس يتعامل مع الصلاة كشيء هامشي، أو كشيء مفروض عليه، وينبغي أن يتخلص منه، وليس شيئاً مرغوباً محبباً مطلوباً مشتاقاً إليه تدور حول رحاه الحياة.
وهو المركز والنقطة المركزية وما عداها المحيط، مع أن الصلاة في مدرسة الإمام الحسين هي الجوهر، وهي الأصل، وهي الأساس، والعمود والعماد للخيمة، كما ورد (الصَّلَاةُ عَمُودُ الدِّين) " ۱".
وقد جرى الحديث سابقاً عن الجانب الكمي للصلاة في مدرسة الإمام الحسين، حيث إن الإمام كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وربما استمر ذلك لمدة (۲۰) أو (۳۰) سنة أو أقل أو أكثر.
أما الآن فسنعطف عنان الحديث إلى الجانب الكيفي في هذه المدرسة المباركة المعطاء، وهناك إشارات كثيرة لهذا الجانب ومنها ما أشارت إليه الرواية:
فإن الإمام الحسين (عليه السلام) بعد صلاة المغرب، لم يكن يفعل كما يفعل عامة الناس، حيث إنهم غالباً ينصرفون إلى الراحة والاستراحة، أو إلى أعمالهم ومشاغلهم، ثم يأتون في وقت صلاة العشاء بعد حوالي ساعتين، ويؤدون صلاة العشاء.
بينما نجد الإمام الحسين كما تؤكد الرواية كان يجلس بعد صلاة المغرب في مصلاه وينشغل بالصلاة المستحبة الصلاة إثر الصلاة، حتى يحين وقت صلاة العشاء.
فسئل عن سبب ذلك، فقال (عليه السلام): «إنها - هذه الفترة - من ناشئة الليل التي يقول الله سبحانه وتعالى عنها: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قيلا) (سورة المزمل: 6).
وفي استخدامه (صلى الله عليه وآله) (من) التبعيضية في إنها من ناشئة الليل دلالة هامة، ذلك أنه يوجد خلاف بين المفسرين حول معنى (ناشئة الليل)، فهل هي الليل بأكمله أو البعض منه؟
وظاهر كلام الإمام (عليه السلام): إن الفترة ما بين المغربين هي من الناشئة، وقد سميت (الناشئة) بالناشئة؛ لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة ولحظة بعد لحظة لأن الزمان فى حالة تجدد دائم وقد ذكر بعض المفسرين، أن المقصود من لماذا الصلاة في فترة الاسترخاء؟
(ناشئة الليل) هي الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار كما عن ابن عباس والمروي -عن الإمامين الصادقين- كما نقله مجمع البيان هو أن ناشئة الليل هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل (٢).
ثم نجد في هذه الرواية أن الإمام الحسين (عليه السلام) يعد ما بين المغربين من ناشئة الليل ولا مانعة جمع، فإن ناشئة الليل تعم جميع ذلك كله، ولا عبر الإمام بـ (من)، ولعل الوجه في ذكر بعض الأوقات بعنوان أنها (ناشئة) أو (من الناشئة) أن هناك مراتب ودرجات.
فقد يكون لبعض درجاتها مزية ويكون الوطء فيها أشد، ومثاله العرفي:
ما لو رأيت جداراً ملوناً باللون الأخضر لكن بعض مناطقه كانت أشد خضرة فإن الحائط كله أخضر في حين أن قسماً منه أشد اخضراراً، لأن الإمام الحسين (عليه السلام) أحال إليها في فلسفة صلاته في هذا الوقت.
لماذا الصلاة في فترة الاسترخاء؟ لماذا ناشئة الليل ؟ أي الصلاة بين المغربين هي أشد وطئاً وأثقل على الإنسان؟
الجواب: الأسباب تتنوع بين فسيولوجية ونفسية واجتماعية.
تدفق الميلاتونين وحالة الاسترخاء:
ومن الأسباب الفسيولوجية، ما أشار إليه علماء الطب: إن بدن الإنسان يتعرض لجملة من التغييرات مع هبوط الظلام، ومع التغير الذي يلف الكون ويغمره، منتقلاً من النور إلى الظلام وعلى أثر ذلك:
أ: تبدأ مادة الكورتيزون بالتقلص في بدن الإنسان، وهي المسؤولة عن بث النشاط والحيوية في الجسم، وتسمى هرمون النشاط.
ب : من جهة ثانية تبدأ مادة الميلاتونين بالترشح بشكل أكثر كثافة في هذه الفترة بالذات، وهي المسؤولة عن توفير حالة الاسترخاء، وميل الإنسان إلى الراحة والاستراحة.
وهذه المادة إنما وجدت لحكمة الله سبحانه وتعالى، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا) (الفرقان: ٤٧) وبناءً على هذه الحقيقة العلمية نلاحظ أن معظم الناس وفي هذا الوقت بالذات يخلدون إلى الاستراحة، ويميلون إلى الجلسات التسامرية أو متابعة التلفاز، أو الانترنيت، أو غير ذلك، مما لا يتطلب عملاً وجهداً.
كما أن كثيراً منهم خاصة الذين لم تتدخل التكنولوجيا في تغيير نمط حياتهم يخلدون إلى النوم.
وفي هذا الوقت وفي هذه الفترة تحديداً يدعونا الإمام (عليه الحسين) بعمله وبقوله إلى الصلاة فيها لأنها أشد وطئاً فإنها تنتزع الإنسان من الراحة، ومن الكماليات المادية إلى الأساسيات الروحية، وهذا هو الأصل فى حياة الإنسان. فإن الاصل في حياة الإنسان الروحانية والصلاة، وليس الراحة والاسترخاء.
اضافةتعليق
التعليقات