رحلة شاقة تتضمرها فروض، لابد من إيداع المهجع أمانة النفس ولبس ثوب الهجرة إلى بيت الكهف والرقيم وقد كانوا من آياته عجبا، فهو طريق تذوب فيه حاجات ومعاضل.
رواية، تظهر معانيها جلية عند بدء تعدي الفواصل لا لمحاباة بل لأداء العهد وبيعة لابد منها، ونبض يلف القلب عشقا.
ويلتف الساق بالساق، إنه يومئذ شوط يعاود اللقاء مجددا ولا يكف دقيق الدمع أن يذرف أكوام أشواق.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين (عليه السلام) من الفضل لماتوا شوقا، وتقطعت أنفسهم عليه حسرات، قلت: وما فيه؟ قال: من زاره تشوقا إليه كتب الله له ألف حجة متقبلة، وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظا.. الحديث. وفيه ثواب جزيل ، وفي آخره: أنه ينادي مناد: هؤلاء زوار الحسين شوقا إليه.
إنه يوم العتق، لثوب الدفيف ووجوم المسير إلى حيث قبلة العابدين. يوم الأربعين، له ألف سؤال يتبعه جواب..
لم يفقد الحزين بهجته، ولم يترك الدمعة في عز دون عتاب..
بل يدرك الباكي حينها أنه في الوادي المقدس طوى، وفي عين الإعتبار معين من بركة الأنبياء يرتشف منها الزائر شفاء لكل داء، ووقاء من سقم العناء، في يوم كان مقداره عدة الزائرين خلودا، ل تصرخ الجموع: لبيك ياحسين.
رغد أصاب أكف الدعاء، ودق من عين القمر أحيا فقيرا، وجوع الوالهين لا تكفيه خبزا من ضريح، بل زحفا على عتبة الولاء في لحظات الابتلاء.. في يوم الأربعين يكرم المرء ولا يهان، حتى عدت الخطوة لها عدد ما لا يحصى من البركات..
ووفد الخير فيه قد ملأ الماء قربة وفرش البساط، وأعطى الكثير من النعمات والطيبات، ل زائر الليل والصبح اذا آت، امتثالا لفرض الزيارة وعشقا لصاحبها حتى الممات.
عن الحسين بن ثوير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الإنصراف أتاه ملك فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى» . 1
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين (عليه السلام) شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم ملك يقال له منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودّعه مودع إلا شيعوه، ولا يمرض إلا عادوه، ولا يموت إلا صلوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته»2.
في كربلاء المقدسة، مشروع زحف، وهتاف تأبين ومواصلة عهد يتجدد إلى حين اللقاء عند فيض العرش وسوابق التلقين..
رب سائل يفيق من غفوة الوجع، ويحبو إلى بيت الفرات، أي قبة وسعت كل شيء رحمته، تحوم حولها أزقة مأججة برافد الصلاة، وأي فريضة استوجبت ترتيل آياته بحضرة الملائكة وكتبت وثيقة.
العهد وبصمة اقتدار، من هو حامل راية الحمد ومعمورة النعم في ظل إيمان الوصاية ومعتقد المذهب؟!..
بديهيا هو ربان سفينتها، أبا عبد الله الحسين، والفجر وليال عشر، والشفع والوتر وعند القدر يطوف المحشر ساجدا وراكعا، وكاتما وباكيا، وشعار التلبية، قيامة تردد هل في ذلك قسم لذي حجر!.
في عاد قصة، أعمدة استوعبت حضارة نقلتها إلى حيث أعلام مبهورة من وقع العمد في صدور الذين شهدوها، وفي كربلاء الطف مسيرة وطواف ممتنع، أسرت قلوب عاشقيها، وجعلت في ذمة راغبيها حضارة لم يخلق مثلها في البلاد.. بلورة فكر، وإمتداد نبوة، وزهد ولاية، وكمال المعاد فيها، لم تختصر مبدأ دون مضمون، ولم تترك ركنا إلا وله ولادة وبشارة..
في مسيرة الأربعين، عقلا جامعا، وسورا مانعا، يصد العلم المجهول، ويلفت انتباه من سجد ووهب، وكتب على نفسه دمعا مباحا، وجرحا قراحا، حبا وعطشا، لمسيرة الكفاح..
يوم الأربعين، قلب الحدث، وقطب رحى الرسالة، تجمهرت حيث مشاهد الوداع لأبي الأحرار وحرائر بيت النبوة، وصحبة الشهادة والشهيد، لتبدأ المسيرة عهدا جديدا، ونمطا يفتح أبوابه ليسع الخليقة.
بأخلاق أعمدة العرش وأنوار أهل الكساء، وكتاب العهد، لدولة الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه، عزاء ومواساة.. وكان الشعار، أبد والله يازهراء ماننسى حسينا.
اضافةتعليق
التعليقات