قال المولى أبو الحسن صلوات الله وسلامه عليه: ياكُميل: ما من حركة الإ وأنت مُحتاج فيها إلى معرفة.
حين يطوف هذا الحديث بين أروقة الفكر فأنك تصل لنتيجة واحدة تتموج بنور العلم الذي يزيل حُجب علامات الاستفهام المتوقدة فيه وكأنك بعد عناءٍ طويل تدرك حقيقة الأمر وما يتطلب منك..
ففي كل حركة لهذا الكائن العجيب على وجه المعمورة، يحتاج لدليل فيها يقوده نحو الوِجهة المطلوبة، يحتاج اليها كي لا يقع في بئر الجهل الذي يعود عليه بالويلات فالانسان متى ما تسَّلح بنور المعرفة إنهزمت قوى الجهل وتلاشت..
في ظل أحداث عالم اليوم التي تعجُ ظلماً وجهلاً وتُخلِّف فساداً يُعيث بالناس والأرض خراباً، كان لابد لنا من شحذ الهمة وإعادة تأهيل قُدراتنا وطاقاتنا من أجل الاستمرار في رحلة العمل والنهوض بنساءنا نحو البناء وان تكاثرت الإنكسارات..
فكان لـمؤسسات كربلاء النسوية إستضافة محفوفة بالعلم والمعرفة والايمان في ضيافة سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي دامت بركات وجوده المُبارك..
إبتدأ سماحته الحديث بآية قُرآنية مباركة تقول: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ..) مبيناً أن محور البحث سيكون مُرتكزاً على محاور ثلاث: الأول: الأثر الوضعي للأعمال.
الثاني: دوام الأعمال بالأموال
الثالث: التخصصات الرفيعة
المبحث الأول: الآثار الوضعية للأعمال والأفعال
في ما يخص المحور الأول تحدث سماحته في ضمن نقاط:
النقطة الأولى: أن البعض أنكر الأثر الوضعي للأعمال، ولكنّ الآيات الشريفة والروايات وأيضاً العلم الحديث والتجارب أثبتت وجود ذلك الأثر الوضعي للأعمال والتموجات لكثير من الحقائق والأشياء الأخرى، وبتعبير بسيط نستطيع القول: (إن الأثر الوضعي هو نوعُ من الأثر التكويني لكنه أخفى و لا مجال لإنكاره)، أي: أن هناك أثراً تكوينياً للكثير من الافعال مثلاً شرب الخمر والعياذ بالله، فإنه حتى لو أُشربَ الخمر فإنه يَسكر، فهذا السكر هو الاثر التكويني، الخفي، مقابل الاثر الجلي كمن يسقط من شاهق وتتكسر أضلاعه فهو أثر تكويني غير خفي فالأثر الوضعي هو أثر خفيَّ وهو نوع من الاثر التكويني وذلك مثل قطع الرحم وما يترتب عليه من قُصر العمر كما جاء في الروايات الشريفة، والأمثلة على هذا المحور كثيرة جداً ومنها مثلاً لُقمة الحرام والشُبهة وكيف إنها تحجبُ دعاء الإنسان لأربعين يوماً ومنها العشار يعني الكُمركجي..
وفي المقابل نجد الآثار الإيجابية الوضعية لبعض الأعمال أو الحقائق والأشياء الأخرى فمثلاً: صلة الرحم وما تورثه من بركة في العمر وزيادة في الرزق ومحبة الناس..
وأيضاً بعض الأمكنة لها آثار وضعية مثل كربلاء والنجف وبقية البقاع المقدسة ولهذا فمن يسكن في هذه البقاع ينعكس عليه نور خاص ويكون أقرب الى الله تعالى حتى وإن لم ينتبه هو لهذا الاثر! ومن جهة أُخرى يكون أبعد لو عصى لقوله: (إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن لمكانك منا و إن القبيح من كل أحد قبيح و هو منك أقبح لمكانك منا)1.
كما أن الذي يلقي محاضرة تربوية في المسجد يختلف عن الذي يلقيها في الشارع، والذي يغتاب بالمسجد أو الحسينية فأن إثمه أكبر كما له أثر وضعي أكبر ..
والزمان أيضاً له أثر وضعي كبير .. فالصلاة في أول الوقت تختلف عن الصلاة في آخر الوقت لأن الله جل وعلا قد إختار هذا الوقت وفضّله بأن جعله وقتاً تُفتح فيه أبواب السماء لتشمل المؤمن البركات ولهذا ورد في الرواية: (الصلاة في أول الوقت جزور وفي آخر الوقت عصفور) ..
فالأثر الوضعي يلفّنا ويحيط بنا في كل مكان وزمان سلباً او إيجاباً ..
أما النقطة الثانية من المحور الاول فهي تدور حول عاقبة هذه الآثار الوضعية وانها لا تختص بصاحبها فقط بل تتعداه لتشمل ذريته أيضاً كما أنها قد لا تُؤثر عليه في الدنيا فقط بل تُؤثر عليه حتى في عالم البرزخ والقيامة !
فحينما تفسد النفس الإنسانية فتقودها أهواءها الأمارة بالسوء لارتكاب صور من الظُلم فلابد لهذه الممارسات من آثار وضعية على مرتكبها وذُريته ايضاً..
وبشكل عام فان الذي يزرع يحصد في الدنيا تارة وفي الآخرة تارة أخرى ..
يُذكر في أحوال الاخ الاكبر السيد محمد رضا انه شُوهد في المنام فـ سُأل ماذا تفعل هناك؟
فكان جوابه لطيفاً رائعاً فقال: أنا مشغول بهداية الأمم السابقة ! أقول: لأن الجزاء من سنخ العمل ففي الدنيا كان مشغولاً بهداية الناس والإرشاد وربما الملايين إهتدوا بسببه ففي الاخر، حاله كذلك ايضاً، ولعل هذا المضمون مما يمكن استنباطه من الروايات أيضاً.
وفي رؤية أخرى سُأل: ماذا تعمل هناك؟
فقال: أدرس!
وماذا تدرس؟
قال: أدرس الكافي الشريف!
عند من؟
قال: عند المولى الحبيب الحُسين الشهيد صلوات الله عليه !
ويا لعظمة هذه المنزلة: ان سيد الشهداء وابا الأحرار الإمام السبط تصدى بنفسه لتدريسه وتكميله! ولكن لماذا؟ لأنه كان في هذه الحياة الدنيا يبث علومهم على مدار الخط!
وسُأل أيضاً كم حصة يُدرسه الأمام؟ قال يدرسني المولى يومين في الأسبوع !
أقول: ولربما لأن المقدس الراحل كان يُدرِّس الكافي يومين في الأسبوع ولأن الجزاء من سنخ العمل لهذا فان الإمام كان يدرسّه يومين في الأسبوع ايضاً فمتناسباً مع مقدار الجهد الذي كان يبذله في الدنيا أخذ جزاءه بالآخرة.
وهنا نلفت الى انه لابد لكل فردُ منا أن يدرس الكافي الشريف كله وان يطالع مرآة العقول للعلامة المجلسي أو يباحثه أو يدرسه فهو يُعد من أهم الأمور ..
ثم أن هنا حقيقة هامة جداً وهي: ان إنعكاس الاثار الوضعية على الإنسان وذريته وإرتباط مصيره في عالم الدنيا والآخرة والبرزخ وحتى يوم القيامة بهذه الآثار، كفيل بـ جعله يُراقب أفعاله بشدة ويحاسب نفسه دوماً..
وان من أشد الأثار الوضعية السلبية التي قد يقع الإنسان في شباكها هي الآثار الوضعية السلبية للتقاعس عن نصرة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم فالهروب والتكاسل او التعلُل بـعلل شتى من أجل التهرب من المسؤولية المفروضة عليه يضع مصيره في طريق هذه الآثار السلبية!
وصفوة القول: إن الفردُ منا في كل محطات حياته أمام خيارين لا ثالث لهما: التوفيق أو الخُذلان:
فاما أن يتجشم العناء في طريق نُصرتهم والتزود من مناهلهم لتكون العاقبة التي يرجوها هي النصر العظيم من الله جل وعلا (إنَّ تنصروا الله ينصركم..).
واما ان يتقاعس عن نصرتهم، بـ قلمٍ او بَنانٍ اوغير ذلك، وهذا هو ما يجعل الإنسان في مهب هذه الآثار السلبية ..
والخُلاصة التي نستطيع الخروج منها في المحور الأول هي: التَّحذير من الآثار الوضعية للأعمال الطالحة من جهة، والتشجيع والتحريض على الأعمال الايجابية ومايترتب عليها من آثار وضعية تضعه في كنف أمواج رحمة الله من جهة أخرى..
الأثر الوضعي لعدوان الحاكم الظالم فرمان فرمان
وختم سماحته المحور الاول بقصة لطيفة تحوي من الحكمة البالغة الكثير، وفيها من العبِرة ما يجعل من يريد أن يظلم يُفكر الف مرة قبل أن يقدم على عدوانٍ أو ظلم أو تعدّ لا يعود على صاحبه الا بسوء العاقبة!
في مدينة كرمنشاه كان هناك حاكم يدعى فرمان فرمان، وقد خرج عدة مرات على رأس جيش قوي متجهاً نحو مناطق البلوش لاصطياد أحد قادة البلوش والذي كان يدعى سردار حُسين خان وكان من الرافضين للخضوع لظُلم هذا الحاكم الجائر، ولكنه كان يفشل في كل مرة، وفي المرة الاخيرة باغته فجأة وألقى القبض عليه مع ولده ذي السبع سنوات وأودعه السجن.. ثم أمر ان يقيدوه بنفس السلسلة التي قيدوا بها ولده بصورة وحشية، ولم تمض فترة إلا وأُصيب هذا الطفل بمرض الدفتيريا وهو مرض مزعج ومؤلم فطلب والده أن يُعالجوه فرفضوا بـحُجة أن والده سجين سياسي والرحمة لا تشمله ولا ذويه اصلاً!.
وكان لهذا الحاكم صديق يُسمى افضل الدولة كان طيب القلب نسبياً وكان يمر على السجن ليرى سردار حُسين خان بين يوم وآخر!
وهكذا كعادته مرَّ لكي يرى سردار فوجد ولده بهكذا حال فتألم كثيراً لذلك، وهنا طلب منه سردار حُسين خان أن يطلب من الحاكم ليرحم هذا الطفل وأن يخاف الله ورسوله فيه..
ذهب افضل الدولة وأخبر فرمان فرمان بأن هذا السجين يتوسل اليك من أجل السماح بمعالجة ولده وان تخاف الله ورسوله فيه!
فما كان الرد من الحاكم الظالم سوى الرفض القاطع ليعود أفضل الدولة ويخبر سردار حُسين خان برفض طلبه..
عندها لجأ حُسين خان لطريق آخر وقال لأفضل الدولة أخبر الحاكم بأني سأعطيه مبلغاً كبيراً من المال كـهدية له مقابل السماح لعلاج ابني، وبالفعل أرسل خبراً لتجار كرمنشاه يطلب منهم أن يقرضوه مبلغاً كبيراً جداً: خمسمائة تومان والتي ربما كانت تعادل خمسمائة مليون دينار في وقتنا الحاضر.. وعندها ذهب أفضل الدولة مرة أُخرى إلى الحاكم الجائر وأخبره بعرض سردار حُسين خان مرة أخرى! وهنا قال فرمان فرمان: أن مقتضيات حفظ (نظام الدولة) لا تسمح بمعالجة هذا الطفل الصغير و(إنه لا يقبل الرشوة) ابداً، فقال له افضل الدولة: أن الله ورسوله سيجزيك جزاءاً حسناً على هذا الاحسان وهذا طفلُ بريء وأنت تعلم أنه بريء؟ فأجابه: هذا ما تمليه عليَّ المصلحة العامة ونظام الدولة ! وهكذا استمر رفض علاج الطفل الى أن تدهورت صحة الطفل ومات أمام ناظر والده بكل قسوة ووحشية!.
وهنا تجلى مظهر من مظاهر الأثر الوضعي فانه بعد ايام قليلة مرض ابن فرمان فرمان بنفس المرض (الدفتيريا)، فجلب له أفضل الاطباء ولكن دون جدوى فبدأ يُقدم الذبيحة تلو الأخرى حتى ذبح خمسمائة خروفاً ووزعها على الفقراء في غضون ثلاثة أيام من أجل شفاء ولده! ولقد (كانت فدية كبيرة جداً) ولكن دون جدوى إلى أن مات ابنه بعد ايام أمام ناظريه!.
وعندما دخل أفضل الدولة على فرمان فرمان رآهُ يبكي بكاءاً شديداً لموت ولده وما أن رآه حتى قال له: أرأيت انه لا وجود لله ولا لرسوله!! لقد أنفقتُ لشفاء والدي خمسمائة خروفاً وأطعمتُ الفقراء لينجو ولدي لكن دون جدوى !
فأجابه أفضل الدولة وقال له: كلا بل الله موجود.. ولكن الله ايضاً له نظام في مملكته!
ألم تقل لدي نظام في مملكتي! وانني لا أتجاوز الأنظمة حتى وإن مات الطفل؟ ان الله ايضاً عاملك بالمثل! كما ان الله تعالى لا يقبل الرشوة كما رفضت أنت رشوة والده؟ انت رفضت الخمسمائة تومان وهو رفض الخمسمائة خروفاً؟ (فـ بُهت الذي كفر).
هذه القصة وأمثالها تتكرر في اليوم ملايين المرات، والمهم ان علينا ان نعتبر!
فقد يحرمك الأثر الوضعي من لذة مناجاة أو صلاة أو عطاء أو نجاح فأنتبه لما أنت صانع!.
المبحث الثاني: المال، الوسيلة نحو الفضيلة
المال اذا وقع بـ أيدي الاشرار فانه يُعبِّد طريق النار للفُجار واذا وقع بـأيدي الأخيار فانه يُعبِّد طريق الجنة للأبرار.
فهو سلاحُ ذو حدين، إذ أن الفرد لا يستطيع أن يعمل بالشكل المطلوب إذا لم يتوفر له المال، وعليه لابد أن يكون لكل واحد منا تخطيط دقيق ومُتكامل للإكتفاء الذاتي حتى لا يكون المال هو العقبة التي تحول دون تنفيذ الأهداف المطلوبة وبالتالي إيقاف عجلة العمل والنهوض بالمجتمع والتأثير عليه بالصورة الإيجابية..
وأشار سماحته إلى الخُطط التي اتبعها الرسول الاكرم والمولى أمير المؤمنين (عليهم السلام) في إنشاء تمويل دائم يساهم في بناء الأمة ومنها:
أ- (الخُمس): حيث إنهُ كان الخطة الأولى للتمويل الدائم للقيادة الإسلامية الصحيحة وللأمة والحركة الاسلامية السليمة. قال تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ".. الا أن الثاني قال للأول: أن أردت أن ينفضَّ الناس من حول علي ويتركوه وحيداً فأقطع عنه الأموال لأن القليل من الناس فقط يصمدون على الحق ويصبرون على الضائقة المالية، وهكذا منع الاول الناس من ايصال الخمس إلى أمير المؤمنين.
ب- (فدك): كانت الخطة الثانية التي إتبعها النبي الأكرم صلوات الله عليه هي انه منح فاطمة صلوات الله عليه فدكا (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)2 وهذه أيضاً صادروها..
بعد ما تمت مصادرة هذين المصدرين ومحاصرة تلك الخُطتين، لجأ المولى أمير المؤمنين علي إلى:
ج- الخطة الثالثة وهي: الإنشغال وبشكل مذهل بالزراعة، فقد أحيى أراضٍ كثيرة وأسس مزارع هائلة وجعلها ذخيرة للأئمة صلوات الله عليهم من بعده، ولذا فان خزين أموال الائمة من بعده: الحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق ومن لحقهم من الائمة صلوات الله عليهم أجمعين كان من جهود أمير المؤمنين ومزارعه التي أوقفها لذريته..
فهذا من جهة ومن جهة اخرى فان السبب الاعظم الذي كان يكمن وراء هذا الامر هو انه عمد لهذه الخطة كي يوفر البيئة والحاضنة والامكنة الامينة التي يمكن فيها تربية الآلاف من الرساليين والمؤمنين والقياديين بـ حُجة أنهُ كان يحتاج في مزارعه الى العمال من أجل رعاية الأشجار وشق الجداول والعناية بها.. وهكذا نجد مثلاً ان الامام السجاد كان يشتري العبيد بالألوف وكان كثير منهم من الشخصيات في بلادهم وقد وقعوا أسرى في أيدي المسلمين، أو كانوا مواداً خاماً صالحة للتربية والترقية، فكان يأخذهم ويُربيهم ثم بعد سنة يعتقهم جميعاً فينبثَّون في بلادهم رساليين ودعاة ومبلّغين.
المُلفت في الأمر أنه كان يختارهم من بلدان مختلفة وليس من بلد واحد وقد بلغ عدد العبيد الذين اشتراهم الإمام ثم اعتقهم، حسب احدى الروايات، مئة الف إنسان تربَّوا على يد الامام السجاد مباشرة!.
هذا العدد يحتاج لتأمل وتدبَّر كبيرين جداً لأدراك عظمة ما كان يصنعه المولى سلام الله عليه
وان التدبر في هذه الخطط وأمثالها يجعلنا أمام حقيقة أنَّ علينا أن نُفكر جدياً بـ البعد المالي تفكيراً عميقاً من أجل إكمال المشاريع وتحقيق الأهداف الكبرى إذ أنه العجلة المُحركة للأعمال..
الخلاصة: بالمال يستطيع الإنسان أن يعمل لاصلاح المجتمع.. وفي المقابل فان الحكومات الجائرة أول ما تصنعه هي مصادرة أموال المصلحين، مصادرة أموال العلماء والعاملين وبهذا تُوقف عجلة إصلاحهم وتُعيق تقدمها!
وقد تفضَّل سماحته بطرح بعض المقترحات التي تساهم في توفير تمويل ذاتي دائمي ومنها:
1- السفر: وقد قال الامام علي :
سافر ففي الأسفار خمس فوائِد
تفَّرج همَّ وإكتساب معيشة
وعقل وآداب
وصُحبة ماجد!
2- التدريس والخطابة: البركة التي جعلها الله جل وعلا في الخطابة الحسينة تكاد تمنح الانسان تميزاً فريداً من نوعه فالمحبة وكون الخطيب موضع ثقة الناس والفيوضات التي تفيض عليه تجعله مصدراً معطاءاً اينما ذهب ..
وعليه فمن أهم الأمور التي من الممكن أن يكتسبها الإنسان ويُنميها ويجعلها مصدراً للاكتفاء الذاتي له هي الخطابة والتدريس ..
وقد تمكنت بعض الاحزاب الاسلامية من الإنتشار حول العالم بطرق متعددة ومن بين هذه الطرق هي الخُطط التي اتبعوها من أجل ترسيخ نفوذهم بالمجتمع من جهة وتحصيل الأموال من جهة أخرى والتي كانت عبارة عن مراكز تنموية بعناوين تعليمية شتى وبمختلف المهارات والتخصصات وكان لذلك اهداف متعددة ومنها ان بعض خريجي هذه الدورات كانوا يتقلدون مناصب مُختلفة في البلاد.. ويكونون يداً لهم في الحكومات وبهذا استطاعوا ان يُكوّنوا لهم قاعدة نافذة واسعة جداً ..
المحور الثالث: التخصصات الرفيعة
لقد أخذ الغرب بزمام الأمور وتقدم علينا لأنه كان سبّاقاً في التخصصات الرفيعة فـأهم الأطباء والمكتشفين والعلماء نجدهم أما من الغرب أو ممن إحتضنهم الغرب في الوقت الذي تخلَّت عنهم بلدانهم ..
واللازم: أن تُخططوا لجعل أبناءكم مميزين في مختلف المجالات والتخصصات، عليكم ان تزرعوا تلك الروح الوثابة والابداعية فيهم بطريقة تُذهل العالم، وعليكم ان تجعلوهم يسعون ليكونوا على القمة مدركين إنها المكان الذي يجب ان يصل اليه الإنسان الشيعي.. لماذا؟
لأن قادتهم هُم قمّةُ قمّةِ القمّة في كل شيءٌ ولا شك اننا لا نتمكن من الوصول لقمتهم لكن بامكاننا أن نكون القمة على سائر أهل الأرض، فـ ليس مهماً ان تكون مجرد طبيب أو مهندس أو كاتب أو مُربي بل المهم أو الأهم ان تكون طبيباً يذهل العالم في مجاله كما هو عنوان هويته!.
وقد تطرق سماحته لذكر مثال هام بهذا المجال: أحد العلماء وهو الشيخ الانصاري كتب كتابين هما: (المكاسب) و(الرسائل) مُنذ مئتي سنة أو أقلّ، هذان الكتابان أصبحا محور الحوزات العلمية في العالم حتى هذا اليوم إذ لا يوجد مرجع تقليد لم يدرس المكاسب والرسائل بل لقد اصبح شرط الاجتهاد هذان الكتابان، بل وذهب البعض لأكثر من ذلك حيث قالوا: بمجرد قراءته وفهمه يصبح الفرد مجتهداً!.
أحد علماء الغرب كان متخصصاً بـ (المكاسب) لكن على طريقتهم أي في التجارة وشبهها، هذا العالم طَالع المكاسب للشيخ الإنصاري فذُهلَ مما وجد فيه من عمق ودقة حتى انه أخبر أحذ عُلمائنا ان العقل الذي كتب هذا الكتاب هو عقل جبار وعميق ومُتنوع ودقيق ومبدع!.
السؤال الذي ينقدح الآن هو: هل كانت الظروف مؤاتية وسهلة للشيخ الإنصاري حتى يُبدع بهذه الطريقة الفريدة؟ بالتأكيد لا بل كانت شاقة بصورة كبيرة، والذي يقرأ سيرته سيرى العجب العُجاب ويجعلنا ندرك فداحة التقصير الذي نغرق فيه رغم التسهيلات التي يُقدمها العالم الآن..
فلقد كان الشيخ قد سافر من ديزفول وهي مدينته في إيران قاصداً النجف الأشرف ماشياً غير آبه بطول المسافة والصحاري والقفار الموحشة آنذاك، وكان زاده قطع رغيف يابس فقط والكثير من العزم الذي كان يقوده دون كلل أو ملل!.
ثم إن الغريب في الأمر أن عينه كانت ضعيفة جدا حتى قيل إنه كان يُطالع بـربع عين وسبب ضعف عينه الظروف التي عايشها أثناء دراسته حيثُ كان فقيراً لا يملك مالاً يشتري به فانوساً فكان يذهب لـ (حمّام) المدرسة طوال الليل من أجل أن يُطالع؟!
أقول: تُرى كم نحتاج من الاحساس بالمسؤولية وإدراك أهمية النهوض لنبلغ ربع ما بلغه الشيخ الإنصاري؟
خاصة إن لاحظنا ان الجيل المُتقلب الآن وبالأخص جيل الالفينية ما عاد يرضى بـ روتين المعلومات التي نقدمها لهم، وهذا يضعنا أمام تحدي كبيراً جداً وهو تطوير خطابنا واثراء مواد احاديثنا بشكل يخلب ألبابهم ويبعد عنهم خطر وقوعهم فريسة للاخرين.
وبهذا الخصوص أشار سماحته لفكرة قد إنقدحت في فكره وهي: ضرورة جعل بعض مجالسنا الحسينية على غرار الكليات، أي بمعنى جعلها تخصصية كـما الجامعات فالذي يريد أن يحيط بالاقتصاد الاسلامي أو القانون او التربية أو التنمية أو غيرها يجد المنبر والخطيب المناسب الذي يحتضن تخصصه ويعطيه المعلومات الغنية على ضوء الدين المبين إن كان في علم الاجتماع، التربية، النفس وغيرها من التخصصات.
فمثلاً الذي يريد دراسة الأسرة والتفكك الأسري وقضايا الطلاق أو المخدرات أو الفقر أو البطالة، فأنه سوف يجد منابر متخصصة بهذه القضايا تحتوي مثلاً على ألف محاضرة جديدة ومفيدة تحتوي على النظريات السابقة والحديثة والروايات التي تُقدم اليه ما يحتاجه..
الفكرة سهلة جداً لكن تحتاج لتوجه وإهتمام.
وأخيراً: ما أروع أن تكون إحداكُنَّ مُتخصصة في الكافي الشريف وأـخرى في علوم نهج البلاغة وثالثة في الصحيفة السجادية أو المهدوية، وأُخرى في البحوث السنية الشيعية فأي إشكال لدى السُنة حول الشيعة تكون قادرة على تقديم الجواب الكافي الشافي، وأُخرى تكون ذات مرجعية في البحوث المسيحية أو البحوث البوذية أو اليهودية أو ... وبشكل عام المقارنة بين الأديان.. وهناك على أقل تقدير خمسون تخصصا مفيدا في إنتظار من يغوص فيه ويستخرج لئالئ علوم القرآن الكريم وأهل البيت.
اضافةتعليق
التعليقات