بعد رحيلها فقد كل شيء لونه حتى البياض أعلن الحداد لما جرى في حقها، طفلة صغيرة تنعى والدتها وتقضم طرف رداءها، تختفي وراء الجدران كي لا يرى أحدهم بكاءها وأخرى أصغر سنا منها تبحث عن أختها كي تستقر في أحضانها وآخر يجلس كئيبا في زاوية البيت ويتذكر تلك المواقف التي سلبت منه والدته الحنينة فحُرم منها بسبب تلك الحوادث التي كانت بمنتهى الوحشية والقسوة فقد أصيب بجرح عميق في قلبه الصغير، والآخر يبكي بحرقة لأنه لم يتعلم أن يأكل وحده ويرى البيت خالياً من حنانها ونظراتها الرحيمة فالبيت الذي يفقد الأم يفقد كل شيء.. يفقد الجمال، الطمأنينة، الراحة والنوم!.
كيف يمكن أن ينام الطفل الذي شاهد هذه الجنايات؟ وكيف ينسى الغدر والخيانة التي هتكت حرمات هذا البيت؟
كيف يمكن أن ينسى الحطب، النار، الهجوم، البسمار والدم!.
بعيداً عن كونها بنت أفضل الخلق وملهم الانسانية ورسول الخير والبركات وعن الأقوال المأثورة في حقها وتبين فضائلها بين الحين والآخر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله مراراً -: (كُنْتُ إذا اشْتَقْتُ إِلى رائِحَةِ الجنَّةِ شَمَمْتُ رَقَبَةَ فاطِمَة)*١.
وقال صلى الله عليه وآله: (حَسْبُك مِنْ نساء ِالعالَميَن أَرْبَع: مَرْيمَ وَآسيَة وَخَديجَة وَفاطِمَة)*٢.
ومئات الأحاديث الواردة في فضلها وعلو شأنها، فقد سحقوا الإنسانية ونزلوا إلى أدنى وأذل المستويات بفعلهم هذا!.
يا ترى هكذا يُفعل ببضعة الرسول الذي هو منهم ومبعوث من بينهم ولم يأتِ من بلد آخر أو من مكان ثان، كي نقول إنه كان غريباً بينهم ولم يعرفوه،
أهكذا يُجازى تعبه وايثاره؟
لو جعلنا كل هذه الأحاديث والآيات على جانب ولو نسينا إن فاطمة سلام الله عليها مَن؟ وبنت مَن؟ وزوجة من؟! ومحونا بطولات أمير المؤمنين علي عليه السلام في انقاذ الاسلام ومجاهدات هذه السيدة لنشر الثقافة والعلم وحسبناها كبقية النسوة لاستنتجنا إنها ظُلمت وغُصب حقها وهذه الأفعال الشنيعة في حقها دمار للإنسانية!.
أية والدة تُضرب أمام أطفالها؟
أية امرأة تُداس تحت الأرجل وينثر قرطها؟ أية امرأة يهتك سترها، أية امرأة يسقط جنينها بهذه البشاعة؟
لو نسينا كل المصائب والخيانات وأغلقنا ملف القضية ومحونا فدك وحرق الباب من قاموس الجرائم لا نستطيع أن نغلق ملف أيتام الزهراء سلام الله عليهم فصوت مظلوميتهم لازال يعلو في سماء الإنسانية، بأي ذنب فقدوا والدتهم وحنان أمهم؟
اضافةتعليق
التعليقات