نَظَرتْ إلى وجهها المليء بملامح الرهبة وقابلتها بابتسامةٍ عذبة كانت تعهدها منها دائماً فهي زميلتها في الدراسة، نَظرتْ إليها وعيونها كلها رجاء أن تدخل معها إلى مقام الغريبة أم المصائب زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان يقع في وسط طريقهما إلى المنزل.
_ هيا يا سعاد أرجوكِ أن تدخلي معي إلى المقام الشريف لتشاهدي الناس هنا فهم أناسٌ لطفاء ليس كما حدثتك أمكِ بأنهم أناسٌ غرباء الطبع ويقومون بأفعال غريبة دائماً، لا هم ليسوا كذلك وأنا أرجوكِ يا سعاد أن تدخلي معي لتشاهدي ذلك بنفسك.
_أرجوكِ اتركيني يا نقاء فإنهم حتى لو لم يكونوا كذلك فإن أمي قد حذرتني من الدخول إلى أمكنة كهذه تخصكم وأنا ليس بوسعي مخالفة كلامها، قالت نقاء: ولكني أرجوكِ الدخول لمشاهدة الحقيقة بعينك فإن الشيعة من موالي أهل البيت (عليه السلام) هم ناس عاديين يدينون بعقائد مذهبهم كسائر الأديان الأخرى وليس هناك من رهبة أو غرابة فيهم وفيما يفعلون، قالت هذا وهي تسحبها من يدها وترجوها الدخول، وأخيراً ولأول مرة دخلت سعاد المقام وهي خائفة من مخالفتها لكلام والدتها، فقالت نقاء: أنظري هنا جيداً فإن موالي الإمام علي (عليه السلام) يقومون بالزيارة والتبرك في هذا المكان المقدس المليء بالنور ويقومون بقراءة الأدعية وتلاوة آيات القرآن الكريم ولا يقومون بأي عمل غريب كما حدثتك والدتك.
وإن الإنسان الذي يكون مقتنع بدينه ومعتقدٌ به بأنه على حق فلا يخاف عقائد الآخرين ولا يضره التعرف على سائر العقائد والأديان الأخرى بل يعتبرها ثقافة عامة، فأنا مثلا كوني فتاة مسلمة موالية لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقد أعطاني ديني ومعتقدي كل الحرية في التعرف على سائر الأديان والمعتقدات الأخرى، وقد قرأت حتى الآن الكثير من الكتب حول ما تعتقدون به أنتم بخلافة أصحاب السقيفة وقرأت عن دين المسيحية كذلك وعن اليهودية والبوذية والعديد من المعتقدات الأخرى ولكنني لم أجد أي دين يضاهي ديني ومعتقدي بولاية أمير المؤمنين روحي فداه، ولم أتأثر بأي معتقد آخر مما قرأت بل على العكس فإن قراءتي لمعتقدات الآخرين قد زادتني ثباتاً وإيماناً بعقيدتي أنها على حق بما تعتقده.
بينما أنتم يا أسفي عليكم فإنكم تكتفون بعلم الآباء والأمهات والعلم المتداول بينكم ولا يسعكم قراءة عقائدنا أو قراءة عقائد أديان أخرى إلا عقائدكم التي تعتقدون بها وهذا ما يجعلكم محددين في مكان واحد بلا حرية لكم، أنا أطلب منك يا زميلتي سعاد ولو لمرة أن تجربي الحرية في القراءة وأن تطالعي الكتب التي تخص عقائدنا بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وستعرفين أحقيته وجدارته بالخلافة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) دون خلفائكم، وليس في الأمر من ضرر أن تطّلعي على علم العقائد كما تطّلعين على سائر العلوم من الرياضيات والكيمياء والفيزياء، وليس في الأمر ما يدعو إلى الرهبة كما حدثتك والدتك.
فكما ترين هنا بجوار المقام الشريف فإن موالي الإمام علي (عليه السلام) يتبركون ببركة صاحبة المقام الشريف ويطلبون حوائجهم من الله عز وجل بحق قدسية صاحبة المقام أن يقضيها لهم ولا يفعلون أي شيء آخر يدعو إلى الريبة، وأما بالنسبة لقولك بأن موالي الإمام علي (عليه السلام) يغالون في عقيدتهم ويغالون في قضية استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) بالخصوص، إذ لا يمكن أن يعطيهم الله الثواب العظيم وشفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وثواب حجته وعمرته في كل خطوة يخطونها في طريقهم إلى مرقد الإمام الحسين والجنة لأجل عدة قطرات من الدموع على الإمام الحسين أو لأجل مجرد زيارته (عليه السلام) وأن هذا الكلام يعتبر مغالاة في عقيدتهم، فسأقول لكِ شيئاً يوضح لكِ هذا الموضوع وهو أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد تعب كثيراً طوال ثلاثة وعشرين عاماً منذ أن بُعث بالنبوة وحتى قُبضت روحه الشريفة، ولولا بعثته (صلى الله عليه وآله) لقبعنا في ذل ذلك الظلام الدامس الذي كان في زمن الجاهلية الأولى، ذل ظلام جهلهم وظلام أرواحهم وقلوبهم البعيدة عن روح الإيمان ونقائها وتقاليد الجاهلية في ذلك الزمان ما قبل بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث كان ينبغي عليهم أن يتمسكوا بدين الحنيفية الذي كان قد بلغ عنه النبي ابراهيم (عليه السلام) لكنهم كانوا قد تركوه وتمسكوا بعادات الجاهلية البعيدة كل البعد عن الحياة الكريمة والعيش بكرامة إنسان كامل كما أراد له الله عز وجل.
إلى أن جاء المنجي من نسل النبي إبراهيم الرسول (صلى الله عليه وآله) ليتعب ويشقى من أجلنا وأجل هدايتنا، ليزيح الظلمة والغبار من على قلوبنا، يأتي ليبعث النور في هذه القلوب المتعبة من جديد، ليبعث نور العلم والطمأنينة فيهم كي يصلوا إلى الكمال الذي أراده الله لعباده وكرمهم، فهل تستطيعين يا سعاد أن تخمني كم سيعطي الله تعالى من الثواب الجزيل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي تعب وشقى من أجلنا كثيرا؟؟.
فقالت سعاد: لا، لا أستطيع أن أقدّر مقداراً معيناً ولكنني أعلم ومن دون شك أن الله تعالى سيعطيه الكثير من الأجر كما جاء في القرآن الكريم: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} وسيغبطه آنذاك كل من حضر في يوم الحشر فإن للرسول (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة مقاماً جليلاً لا يستطيع أحد نكرانه ونكران عظمة مقامه وقربه من الله تعالى فهو من أقرب عباده إليه عز وجل.
حسناً قالت نقاء فإنك تقرين بعظمة مقام النبي (صلى الله عليه وآله) وإنه أشرف الخلق أجمعين من الأولين والآخرين، فاعلمي يا سعاد إن الله عز وجل قد أخبرنا في القرآن الكريم أن مودة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وهم من كانوا قد حضروا معه في المباهلة، الأنوار الذي يكون النبي خامسهم وهم عليٌ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) مودتهم تعادل مقام الرسالة النبوية في العظمة والأجر الكبير، حيث قال القرآن الكريم: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ} أي أن مودة أهل البيت (عليهم السلام) هي أجر للرسالة النبوية ولذلك فإن أجر من يقوم بالمودة اتجاه أهل البيت (عليه السلام) معادل لأجر الرسالة النبوية كذلك.
وعلى سبيل المثال فعندما يرغب الإنسان بشراء شيء ثمين كالذهب أو الألماس مثلاً فإن عليه تقديم مبلغ كبير من المال ثمناً لما يريد شراءه ولا يصح أبداً أن يقدّم مبلغاً أقل من قيمة ذلك الشيء، فالقضية هنا أيضاً كذلك فبناءاً على تصريح الله عز وجل بهذه الحقيقة في القرآن فإن أجر المودة لأهل البيت ثمناً معادلاً لأجر الرسالة النبوية العظيمة، فعندما نقول نحن الشيعة أن من يذرف دمعة على الإمام الحسين (عليه السلام) باستطاعة هذه الدمعة أن تطفئ نار جهنم التي سعرها الجبار فهذا ليس عجيباً وعندما نقول أن زيارته (عليه السلام) تعادل ألف حجة وألف عمرة وما شابه من الروايات الكثيرة التي تتحدث عن أجر المعزين في عزاء الإمام الحسين فهذا ليس غريباً أبداً ولا يعتبر فيه أية مغالاة، لأن مودة أهل بيت النبي الأكرم تعادل أجر الرسالة العظيمة التي تعب من أجلها الرسول (صلى الله عليه وآله) كثيراً.
وأنك قد أقررت للتو أن الرسالة النبوية تعادل الكثير من الأجر عند الله فإن المودة لأهل البيت (عليهم السلام) أيضاً كذلك تعادل الكثير من الأجر وهذا هو ما بينه لنا القرآن الكريم في الآية التي تلوناها.
فهزت سعاد رأسها بكل قناعة وقالت: نعم لا بد لي من أن أطالع ما تخبريني به عَلّي أجد طريقاً إلى قلب الرسول (صلى الله عليه وآله) وأستطيع أن أفرحه وأكسب مرضاته.
اضافةتعليق
التعليقات