إن الإمام علي عليه السلام هو ملكٌ عظيم وإرثٌ إنساني كبير خلفته رحمة وحكمة السماء لعموم اهل الارض وليس فقط للمسلمين، فالمسيحيين وغيرهم من المذاهب الأخرى يعتبرون علياً عليه السلام إرث إنساني عظيم وكنزٌ عميم وبالتالي فإن فقدانه يعني خسارة للإنسانية لا خسارة للمسلمين فحسب.
فجديرٌ بنا أن نعرف أن تلك العظمة الخالدة ليس مجرد شعارات وأقوال نطلقها على من نشاء ونهوى. فالعظمة، كما يعرف الناس يمكن للإنسان أن يحصل عليها بعد صعوبات كثيرة وعقبات مريرة وبعد عمليات مخاض طويلة يمكن ان تتكلل بالولادة السليمة والنجاح المتألق وبالحصول على تاج العظمة التي ولدتها مآثر صاحبها الجليلة واعماله المتميزة او انجازاته المفردة التي لم يسبقه احد اليها.
لقد استطاع الإمام علي عليه السلام بإيمانه وصبره، وبروحه وبفكره وبما حباه الله به من خصال وخصائص لم يعطها لغيره، ان يحول المعاناة والآلام إلى مشاريع حضارية والى قيم وآمال. واستطاع ايضاً ان يحول ما أراده (الآخرون) له من هموم ونقم إلى مبادئ سامية نبيلة وإلى تعاليم خالدة تقود من اتبعها الى الفوز والنعم.
ومن هنا كانت العظمة عند الامام علي عليه السلام هي العظمة التي تتجلى في حياة البشر أقوالاً وأفكارً وأفعالا.
ولقد تتبعنا أمر الإمام علي في الفكر المسيحي فوجدناه عندهم الرجل العظيم الذي لا نظير له والرحمة الكبيرة التي انزلها الله من السماء الى خلقه في الأرض ويرون المسيحين في الامام علي عليه السلام ذلك الشخص الذي ليس له نهايه لفكره وعلمه وعظمته، بل يرون أن استشهاده هو الاستمرار الحقيقي لتلك العظمة وذلك لأن استشهاد العظيم لا يعني نهاية الحياة، بل هو وجه جديد من وجوه الحياة واستمراريتها.
فالمفكر والاديب المسيحي نصري سلهب يرى ان الامام علي عليه السلام كان دائماً اقوى من الزمن واكثر امتداداً بعظمته منه.
وهنا يتسائل المفكر (سلهب) مستحظراً صورة الامام علي عليه السلام امامه قائلاً:
((فتشتُ في الدنيا عن سر خلودك فلم اجد عند اهل الأرض جوابا))
ألعلك من ابناء السماء. ام لعل اهل الارض ما استحقوا أن تكون عليهم اميرا؟!
وعلى كل حال، فإن المفكر المسيحي سلهب ابن الديانة المسيحية والذي قرأ القرآن ودرسه جملةً وتفصيلا، رأى أن سماحة علي عليه السلام ورحمته هي وليدة الرحمة القرآنية التي ترسم في مقدمة كل سورة قرآنية شريفة بالقول الخالد: (بسم الله الرحمن الرحيم) والتي تدل على عمق تلك الرحمة الإلهية التي تتسع لكل الوجود. فعلي عليه السلام هو إمام الرحمة والمغفرة. إنه الإمام الذي أوصى ابنه الحسن عليه السلام وهو على فراش الموت، بعد أن طعنه ابن ملجم تلك الطعنة القاتلة، اوصى ابنه الحسن عليه السلام بألا يمثل بقاتله وألا يغل له يداً بل على العكس فقد اوصاه بأن يطعم القاتل مما يأكل وأن يسقيه مما يشرب!.
الامام علي عليه السلام لم يكن شخصاً عاديا بل من حيث المنظور السياسي فقد كان حاكماً لأكثر من خمسين دولة في وقتنا الحاضر ولكن ماذا نرى من تصرف ورحمة اتجاه قاتله فلو كان غير علي لكنا رأينا العجب العجاب من معاقبة القاتل ولكنه علي عليه السلام.
هذا هو الإمام علي هذا هو الأمير الذي خسرته الأنسانية ونختم مقالنا بكلمة قالها الشاعر:
(بولس سلامة):
((سدرة المنتهى في الكمال الإنساني علي بن أبي طالب))..
فمن الجدير بالكثير من المفكرين والأدباء المسلمين ان يقفوا عند هذه الجملة الرائعة وان يتفهموها جيداً، وخاصة انها خرجت من مفكر وأديب مسيحي كبير.
وخلاصة القول: إن الامام علي عليه السلام عند المسيحيين المستنيرين، هو العروة الوثقى التي تربط اهل الارض بالسماء.
اضافةتعليق
التعليقات