تمر على الأنسان مواقف تتباين في طبيعة ما تتركه في نفس كل منا، فبعضها يلونها الفرح ويحيطها الورد والرياحين والبعض الآخر يحاصرها الحزن وتضفي القتوم في كل لحظة في امزجتنا فنصبح كمن قطعت شرايين قلبه فيغدو بلا نبض ولا عزف مناهضا الحياة بأمل.
وبين تداول الحزن والفرح وكثير من صور الحياة التي تؤثر في رسم معالم حياة كل منا نطلق على ايامنا ايام حلوة وأخرى مرة.. بعض الناس يشتكي من المواقف المحرجة والصعبة، البعض الآخر يشتكي من الظرف الصعب والأزمات على إثر فقدان اعزاء على قلبه فعاش فراغا مضنيا لم يستوعبه ولم يملأ مكانه اي شخص وكأنه في قرارة نفسه اغلق كل منافذ السلوى ولم يفلح الصبر في أسكات انين اوجاعه.
ربما ليس جزعا من الصبر لكنه تعلق عميق وترابط لوجود أشخاص قريبين جدا كالاب والام واحيانا الأبناء؛ ينبض القلب لكن نبضه متعارض عند موقف هذه الأحداث ليأتي لطف الله ويصحح المسار.
ان المواقف التي تمر بنا وحال الايام من جيد وسيء وجميل وحزين هو تباين طبيعي لمسار الحياة التي لا تقف على عجلة واحدة فتميل نحو اتجاه اخر واحيانا نحن من يتسبب بميلانها بسبب اختياراتنا او بسبب هشاشة صبرنا وتماسكنا.
فمصيبة الموت مثلاً تحمل في طياتها صبراً قلّة من يتفهمون عبرته ونراهم يلجؤون للانتحار بعد موت أحد له معزة خاصة في قلوبهم. وخلافا لهذا التصرف نرى رد فعل طبيعي لحزن مغلف بكبرياء فلا يعبرون عما في دواخلهم ببكاء او كلام او اي مظهر فيقتلهم الكبت دون حيلة.
الجمال في الحياة ان ننغمس في تفاصيلها دون نكران لما وراءها ودون ان نفقد هويتنا الاصلية، ان نكون متوسطين حتى في ما نواجه حسب الطبيعة التي فطرنا الله عليها، لانبالغ في حزن عميق او ننغمر في فرح مطلق فكلاهما لا يدومان.
وفي الخوض في هذا الموضوع شاركتنا عدة أراء..
ومنها رأي آنسة رفضت الافصاح عن شخصيتها حيث قالت: تختلف ردود الافعال بين انسان وآخر بحسب جنسه (ذكر او انثى) والذي يفرض عليه تبعاً لبيئته وتربيته ان يكون رقيقاً "انثى" او رجلاً "ذكر" (والرجال لايبكون ولايظهرون حزناً) وكذلك الفرح مثلاً ليس كل فرح او ضحك مسموح فغالباً (الضحك بلا سبب من قلة الادب) وهذا مايجعلك انساناً حذراً.. وحذراً لئلا تقع في مواقف محرجة لان غلطة الشاطر بألف، وهكذا تمضي حياتك تصارع فطرتك التي تملي عليك ردود افعال معينة وماتعبد من اعراف تملي عليك ردوداً أخرى تمسخ انسانيتك..
شاركت الانسة علياء عبدالله بقولها: كنت بمرحلة الكتابة في دراستي للماجستير وتوفي والدي رحمة الله عليه، بوقتها خبتت عزيمتي ونويت ترك الكتابة واعتزل عن الناس لكن مع ذلك اخذت فترة حزن وبعدها أكملت كتابة رسالتي للماجستير وبتقدير عالٍ والحمد لله لاني أردت رفع رأس والدي وهو بالجنة وليفرح بأبنته التي رباها.
ومن جانب استباق الظن بالاخرين شاركتنا الانسة ملاك الساعدي فتقول:
دخلت احدى النساء للصالون مع بنتين صغيرتين دون انتعال شيء في قدميهما.. فقلت في داخلي تجمل نفسها ولم تهتم لبناتها.. لكن ما إن وجهت نظري للجانب الاخر وجدت أنهن قد اعتدن نزع (احذيتهن) قبل الدخول لاي غرفة كما في منزلهم.. والكثير من المواقف الاخرى المضحكة والمحرجة.. لكن هذا الذي خطر ببالي..
وفي أمكانية التغلب على الحزن ومقاومة الشعور به أو أظهاره أفصحت الكاتبة حنين العبادي عن رأيها:
انا انهار داخلياً في الحزن واحاول قدر الامكان بأن لا يظهر شيء على ملامحي الخارجية لكن افشل لأن ملامحي تفصح عن الذي بداخلي.. اواجه الفرح ببرود غالباً، الموقف المحرج احاول فيه ان اتصرف بأخلاق قبل كل شيء ومع الموقف المضحك اضحك طبعاً.
ومرت الكاتبة سحر العبادي بموقف لا يزال منقوشا في ذاكرتها قصته لنا بكثير من الحزن:
فتح حوار في وقت الغروب في سنة ٢٠١٤ شهر ال12 بالتحديد بيني وبين عمي كان يعاتبني على انقطاعي عنه لمدة يومين وبررت له إنني مشغولة جداً في هذه الفترة لكن واعدته أن التقي به في اليوم التالي وكنت في كل صباح استيقظ على تنبيه والدتي لي لأداء صلاة الفجر لكن في ذلك اليوم تكاسلت الى أن اصبحت الساعة السادسة والخمسون دقيقة وإذا بصوت صراخ ابنة عمي يملأ المكان (لحگوني لحگوني ابوي ما يتحرك) تسارع الجميع إلا أنا اصبحت لا اقوى على الحركة إلا بعد خمسة عشرة دقيقة لحقت بهم وإذا به قد توفى ...
اود أن أخبركم لا تتماهلوا عن صلة الرحم ولا تتقاطعوا وينال الخصام من أحدكم وطرا فنحن ضيوف وما صفات الضيوف إلا الرحيل.
وأبدت الكاتبة الشابة أيناس محمد وجهة نظرها في هذا الجانب:
في المواقف الصعبة يظهر معدن الانسان الحقيقي، البعض ينجرف ويضعف ويدور حول نفسه 360 درجة والبعض الاخر يتماسك ويصبر ويعود اقوى من السابق وكلما مررنا بتجارب علينا بالصبر فهو مفتاح الفرج.
وسألناها ان كانت مرت بظروف صعبة أجابت مشكورة:
"التهجير وفراق الوالد والغربة والمرض اصعب التجارب التي مررت بها ولكنها فجرت عندي طاقة الكتابة" .
وعودة الى كل ما يرهق القلب حزنا أو بسبب طارئ وبلا مقدمات هناك نصائح من شأنها أن تكسر ذاك الطوق الذي يقيدكم من الاحزان والانكسار:
_ المواظبة على قراءة القرآن الكريم ففي اياته سكينة وأطمئنان.
_ الأبتعاد عن التفكير السلبي والخوض في الموضوع المسبب للحزن لا بأس بالانشغال بالعمل لمدة أطول من المعتاد لان العمل والانشغال الدائم من شأنه ان يقوي دعامة المرء النفسية وذلك بما يحققه من نجاح ومن نتائج نفسية عالية ويبعده عن الافكار السوداء.
_ الأفضل قضاء أجازة حتى ولو لمدة يوم واحد أو يومان والاستجمام.
_ محاولة قراءة كتاب واكماله والاستغراق لما فيه من فائدة في استرجاع قوة الذات.
_ أكتشاف المواهب المكنونة التي تركها المرء بسبب الانشغال او الدراسة وأيجاد طرق متطورة لتنميتها كالرياضة او الرسم او الاعمال اليدوية او اي مواهب اخرى.
_ ملاقاة الاصدقاء والخروج معهم ففي ذلك خروج من اي أزمة يمر بها اي شخص.
_ قضاء بعض الوقت مع الاطفال فالاطفال بما يملكونه من براءة وطاقة يعد أستثمار قيم لانبات الطاقة الايجابية والسعادة.
_مساعدة الناس الذين يخفون مقدار معاناتهم فهم في ذلك يملكون مكانة واخلاق عالية لما في أخفاء الظرف الصعب من طاقة جبارة للصبر ينم عن أيمان صادق بالله فهم الاولى بكثير.
هذا قليل من الافكار التي كانت مفيدة لي في كثير من عقبات حياتي وصعوبات واجهتني وكنت واثقة تمام الثقة ان كل قارئ لهذا المقال سيجد في جعبته الكثير من الاساليب التي تجعله اقوى تماسكا واعمق فكرا ومرونة ولكنه فقط يحتاج إلى شرارة لتشعل الأصرار في نفسه..
فكل موقف يعيق دم القلب من ان يضخ هو منبع قوة للايام التالية والسنوات التي ترسم وهج تجاربنا التي ستكون قصصا نسردها بكل فخر لاننا تجاوزناها وأصبحنا ما نحن عليه الان، فقد "رسمت على حافة الوجع أملاً مقبلاً".
اضافةتعليق
التعليقات