حسم الامر وتوشحت الارض المقدسة وشاح السواد، اوقدنا الشموع وانزلنا الدموع وتزلزت المنازل بالصياح واعتزلنا الافراح، ارض كربلاء اليوم تشد رحال السكينة وتفتح ابواب العزاء، القدور تفور والرايات تعلو المنازل لتصرخ: هيهات من الذلة ..
نصبت خيام الكرم، اقتربت ايام الذكرى والنصر، ايام نصر الدم على السيف، قوم واقوام، عاطلون وعاملون، نساء واطفال الجميع بدؤوا بالتحضير لإقامة العزاء ونصب القدور وابتعدوا عن زينة الدنيا وغرورها فهي دار هانت على ربها..
اقبل علينا شهر محرم الحرام ليذكر المنشغلين بهمومهم والمتناسين لواجبهم ومسؤلياتهم الشرعية (ان ماعند الله خير وابقى) فلا تنسوا الله فينساكم من رحمته ومن نسيه الله فلا يزداد إلا شقاءا.
فيقبل علينا شهر التضحية والجهاد صارخا بوجه المترددين والخائفين قائلا: كفاكم فأنتم لستم بأكرم من سيد الشهداء، كفاكم هذا النوم العميق والسكوت على الظلم والتخلي عن الدين، كفاكم مكرا وخبثا.. كفاكم قتلا للاخوة والاحبة بلسان كنتم او فعل، انطقوا الحرية وقفوا بوجه ساسة الظلم.. فلو نطقتم القوة واقمتم العدل لما استبيحت الحرمات ولما اصبح البلد مفتوحا على كل الاحتمالات وباتت فيه حفلات الدم اليومية والابادة الجماعية شيئا طبيعيا لاتثير الانتباه ولا الاهتمام ..
يا اتباع العترة العلوية محرم الحرام ليس بالشعائر فقط واقامة العزاء، محرم يطالب باحياء القوة والوقوف بوجه الظالم ولا يريد مراسيما في ظل الفساد والجريمة والعيش في بلد يسبى فيه الشعب وتغتصب الحرية ويحيا لاجئا مشردا، محرم الحرام لايطالب بمراسيم _رغم اهميتها_ فتنجز اعمال العزاء على اتم وجه لكن هناك جانب ناقص تناساه البعض، فما هو هذا الجانب؟ عندما يحدث العطش يأتي الماء فيزيله وبإزالة العطش يحدث التوازن..
اما هنا في شهر محرم الحرام نحن نشهد عطش الدنيا للحقيقة والدين بالقلب والسير على نهج الصالحين فالمراسم التي ستقام يجب ان لاتكون نطقا بالالسن ولاتستشعرها القلوب وربما تكون رياءا ومجرد مظاهر بل يجب ان تكون من قلب واتباع على مدى الايام لا مجرد اوقات محددة وايام معدودة..
فتعود بنا الذكرى الى ارض خضبت بالدماء وسقيت بدموع الإباء، ارض شهدت معركة لاهوادة فيها، ورسمت تاريخ لم ولن يمحى عبر العصور والاجيال لتكتب رسالة مفادها (كونوا اقوياءا واصرخوا بوجه الظلم ولاتغرنكم دنياكم كسابقيكم من الذين خلفوا في حثالة ولاتلتقي بذمتهم الشفتان استصغارا لقدرهم وذهابا عن ذكرهم)..
انفروا دنياكم، فإنها ماسميت بالدنيا إلا لدنو أجلها، فما من نعمة تصيبوها إلا لفراق اخرى.. ولايعمر معمر منكم يوما من عمره إلا بهدم اخر من أجله، ولايحيي له اثر إلا مات له اثر، وقد مضت اصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد ذهاب اصله.. فتزودا من ايام الفناء لأيام البقاء..
فما حط موكب الابرار في كربلاء إلا مصمما على الجهاد والتضحية، رافضا لعروض الاستسلام والذل، مرددا (لاوالله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا افر إفرار العبيد) فبات مضحيا بعياله واهل بيته (عليهم السلام) واصحابه بأرض كرب وبلاء..
فكان من الدعي ابن الدعي تركيز بين اثنين: بين السلة والذلة، وهيهات من الذلة، يأبى الله ذلك لهم وللرسول والمؤمنين، وحجور طابت وطهرت، وانوف حمية ونفوس ابية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، فزحف بالأسرة رغم قلة العدد وخذلة الناصر.. مشهرا سيف الحق ورافعا راية الاسلام مرددا كلمات الاباء ليكون رمزا للتضحية وسيد الشهداء..
فيا حزننا على نفوس تتوشح السواد وتخبئ الخبث بين طيات الجبين، تحفر للأخوة حفر النهاية وتقتص من الفقير قصعة الرغيف..
اليوم نحن نبحث في محرم الحرام عن نفس طيبة ابية قوية لاتخشى الساسة ولا الظلام، نفس تقول الحق على حد السيف ولاتخشى الظالم طرفة عين، نفس تحمل ولو خصلة من خصال الحسين ..
(السَّلامُ عليك يا خيرة الله وابْن خيرته.. السَّلامُ عليْك يا بْن امير الْمُؤْمنين وابْن سيِّد الْوصيّين، السَّلامُ عليْك يا بْن فاطمة سيِّدة نساء الْعالمين، السَّلامُ عليْك يا ثار الله وابْن ثاره والْوتْر الْموْتُور، السَّلامُ عليْك وعلى الأرْواح الَّتي حلَّتْ بفنائِك عليْكُمْ منّي جميعا سلامُ الله ابدا ما بقيتُ وبقى اللَّيْلُ والنَّهارُ).
اضافةتعليق
التعليقات